فصل: بَابُ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (نسخة منقحة)



.بَابُ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ:

لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ حُكْمِ اسْتِيلَائِنَا عَلَيْهِمْ شَرَعَ فِي بَيَانِ حُكْمِ اسْتِيلَائِهِمْ عَلَيْنَا وَهُوَ شَامِلٌ لِشَيْئَيْنِ اسْتِيلَاءِ بَعْضِهِمْ وَاسْتِيلَائِهِمْ عَلَى أَمْوَالِنَا فَقَدَّمَ الْأَوَّلَ فَقَالَ (إذَا سَبَى التُّرْكُ) أَيْ كُفَّارُ التُّرْكِ بِالضَّمِّ جِيلٌ مِنْ النَّاسِ وَالْجَمْعُ أَتْرَاكٌ كَمَا فِي الْقَامُوسِ فَعَلَى هَذَا مَنْ قَالَ التُّرْكُ جَمْعُ تُرْكِيٍّ فَقَدْ خَالَفَ مَا فِي الْقَامُوسِ تَتَبَّعْ (الرُّومَ) أَيْ نَصَارَى الرُّومِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَالرُّومُ بِالضَّمِّ جَمْعُ الرُّومِيِّ (وَأَخَذُوا) أَيْ التُّرْكُ (أَمْوَالَهُمْ) أَيْ أَمْوَالَ الرُّومِ (مَلَكُوهَا) لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ قَدْ تَحَقَّقَ فِي مَالٍ مُبَاحٍ وَهُوَ السَّبَبُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي كَافِرٍ اسْتَوْلَى عَلَى كَافِرٍ آخَرَ أَوْ عَلَى مَالِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ الْكَافِرَ يَمْلِكُ بِمُبَاشَرَةِ سَبَبٍ كَالِاحْتِطَابِ وَالِاصْطِيَادِ فَكَذَا بِهَذَا السَّبَبِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَيَّدَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ كَمَا قَيَّدْنَا لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَوْ أَسَرَ التُّرْكُ امْرَأَةً مِنْ الرُّومِ فَأَسْلَمَتْ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلُوهَا دَارَهُمْ كَانَتْ حُرَّةً وَلَوْ اسْتَوْلَى كُفَّارُ التُّرْكِ وَالْهِنْدِ عَلَى الرُّومِ وَأَحْرَزُوهَا بِالْهِنْدِ ثَبَتَ الْمِلْكُ لِكُفَّارِ الْهِنْدِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَنَمْلِكُ مَا وَجَدْنَا مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ الَّذِي سَبَاهُ التُّرْكُ مِنْ الرُّومِ وَأَخَذُوهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ (إذَا غَلَبْنَا عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى التُّرْكِ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهُ فَصَارَ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِمْ.
(وَإِنْ غَلَبُوا) أَيْ الْكُفَّارُ (عَلَى أَمْوَالِنَا وَأَحْرَزُوهَا أَيْ أَمْوَالَنَا بِدَارِهِمْ) أَيْ بِدَارِ الْحَرْبِ (مَلَكُوهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَمْلِكُونَهَا وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِالشَّرَائِعِ عِنْدَهُ فَتَصِيرُ أَمْوَالُنَا مَعْصُومَةً فِي حَقِّهِمْ فَلَا يَمْلِكُونَهَا بِالِاسْتِيلَاءِ وَغَيْرُ مُخَاطَبِينَ عِنْدَنَا فَلَا تَصِيرُ أَمْوَالُنَا مَعْصُومَةً وَالِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالٍ غَيْرِ مَعْصُومٍ مُوجِبٌ لِلْمِلْكِ.
(وَكَذَا) يَمْلِكُونَ عِنْدَنَا (لَوْ نَدَّ) أَيْ لَوْ نَفَرَ (مِنَّا بَعِيرٌ إلَيْهِمْ) لَتَحَقَّقَ الِاسْتِيلَاءُ إذْ لَا يَدَ لِلْعَجْمَاءِ لِتَظْهَرَ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْ دَارِنَا وَالتَّقْيِيدُ بِالْبَعِيرِ اتِّفَاقِيٌّ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الدَّابَّةُ كَمَا عَبَّرَ بِهَا فِي الْمُحِيطِ فَعَلَى هَذَا إنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُعَبِّرَ بِالدَّابَّةِ، تَدَبَّرْ.
(فَإِذَا ظَهَرْنَا) أَيْ غَلَبْنَا (عَلَيْهِمْ) بِعَوْنِهِ تَعَالَى (فَمَنْ وَجَدَ) مِنَّا (مِلْكَهُ) فِي يَدِ الْغَانِمِينَ بَعْدَ الِاسْتِيلَاءِ (أَخَذَهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِثْلِيًّا أَوْ قِيَمِيًّا (قَبْلَ الْقِسْمَةِ) أَيْ قِسْمَةِ الْإِمَامِ الْغَنَائِمَ (مَجَّانًا) أَيْ أَخَذَهُ بِلَا شَيْءٍ (وَبَعْدَهَا) أَيْ لَوْ وَجَدَ مِلْكَهُ بَعْدَ قِسْمَةِ الْإِمَامِ الْغَنَائِمَ (إنْ كَانَ) مَا وَجَدَهُ (مِثْلِيًّا) الْمِثْلِيُّ يَدْخُلُ تَحْتَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَالْعَدَدِ كَمَا سَيَجِيءُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (لَا يَأْخُذُهُ) لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي أَخْذِهِ لِوُجُودِ مِثْلِهِ.
(وَإِنْ) كَانَ مَا وَجَدَهُ (قِيَمِيًّا) الْقِيَمِيُّ خِلَافُ الْمِثْلِيِّ (أَخَذَهُ بِالْقِيمَةِ) إنْ شَاءَ لِوُرُودِ الْأَثَرِ وَلِأَنَّهُ زَالَ مِلْكُ الْمَالِكِ الْقَدِيمِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَكَانَ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ نَظَرًا لَهُ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ بِعَيْنِهِ فَإِذَا تَعَلَّقَ يَأْخُذُهُ بِالْقِيمَةِ نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْقِسْمَةِ قِسْمَتُنَا الْغَنِيمَةَ بَيْنَ الْغَانِمِينَ كَمَا فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى هَذَا مَنْ حَمَلَ الْقِسْمَةَ عَلَى قِسْمَةِ الْكُفَّارِ فَقَدْ أَخْطَأَ، تَأَمَّلْ.
(وَإِنْ اشْتَرَاهُ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ (مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ الْعَدُوِّ (تَاجِرٌ وَأَخْرَجَهُ) إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ (وَهُوَ قِيَمِيٌّ يَأْخُذُهُ) الْمَالِكُ الْقَدِيمُ (بِالثَّمَنِ إنْ اشْتَرَاهُ بِهِ) أَيْ بِثَمَنِهِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ التَّاجِرُ مِنْ الْعَدُوِّ إنْ شَاءَ وَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ مَجَّانًا لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ التَّاجِرُ بِأَخْذِهِ مَجَّانًا.
(وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِعَرْضٍ فَبِقِيمَةِ الْعَرْضِ) أَيْ يَأْخُذُهُ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ بِقِيمَةِ الْعَرْضِ وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا يَأْخُذُهُ بِقِيمَةِ نَفْسِهِ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَالِكُ وَالْمُشْتَرِي مِنْهُمْ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمَالِكُ الْبَيِّنَةَ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(وَإِنْ وُهِبَ لَهُ فَبِقِيمَتِهِ) أَيْ لَوْ وَهَبُوهُ لِمُسْلِمٍ فَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَخَذَهُ الْمَالِكُ بِقِيمَتِهِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ مِلْكٌ خَاصٌّ فَلَا يُزَالُ إلَّا بِالْقِيمَةِ (وَمِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الْقِيَمِيِّ (الْمِثْلِيُّ فِي شِرَائِهِ بِثَمَنٍ أَوْ عَرْضٍ) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى التَّاجِرُ مِثْلِيًّا بِثَمَنٍ أَوْ عَرْضٍ يَأْخُذُهُ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ أَوْ الْعَرْضِ إنْ شَاءَ.
(وَإِنْ اشْتَرَاهُ) أَيْ مِثْلِيًّا (بِجِنْسِهِ أَوْ وُهِبَ لَهُ) أَيْ وُهِبَ لَهُ وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ (لَا يَأْخُذُهُ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ.
وَفِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِمِثْلِهِ قَدْرًا وَوَصْفًا فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذُهُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْبَيْعُ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِأَقَلَّ مِنْهُ قَدْرًا أَوْ بِأَرْدَى مِنْهُ وَصْفًا فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ لِأَنَّهُ يُفِيدُ فَلَوْ كَانَ اشْتَرَاهُ بِمِثْلِهِ نَسِيئَةً فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ أَخْذُهُ وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِكِ أَخْذُهُ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ، انْتَهَى.
فَعَلَى هَذَا ظَهَرَ خِلَافُ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ بِقِيمَتِهِ إنْ شَاءَ كَمَا لَوْ مُلِكَ بِالْهِبَةِ (وَإِنْ كَانَ) مَا اشْتَرَاهُ التَّاجِرُ (عَبْدًا فَفُقِئَتْ عَيْنُهُ فِي يَدِ التَّاجِرِ وَأَخَذَ) التَّاجِرُ (أَرْشَهَا يَأْخُذُهُ) الْمَالِكُ الْقَدِيمُ (بِكُلِّ الثَّمَنِ) الَّذِي أَخَذَهُ التَّاجِرُ بِهِ مِنْ الْعَدُوِّ (إنْ شَاءَ) أَيْ لَا يَحُطُّ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَلَا يَأْخُذُ الْمَالِكُ الْأَرْشَ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْأَرْشِ صَحِيحٌ فَلَوْ أَخَذَهُ بِمِثْلِهِ فَلَا يُفِيدُ.
(وَإِنْ أَسَرُوهُ مِنْ يَدِ التَّاجِرِ فَاشْتَرَاهُ) تَاجِرٌ (آخَرُ) يَعْنِي عَبْدَ الرَّجُلِ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ فَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِنَا ثُمَّ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ ثَانِيًا فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ آخَرُ فَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِنَا (يَأْخُذُهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي (بِثَمَنِهِ) أَيْ الثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَ التَّاجِرُ الثَّانِي بِهِ مِنْ الْعَدُوِّ (ثُمَّ) يَأْخُذُهُ (الْمَالِكُ) الْقَدِيمُ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ (بِالثَّمَنِ) أَيْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ الْأَوَّلُ مِنْ الْعَدُوِّ وَاَلَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ الثَّانِي مِنْ الْعَدُوِّ إنْ شَاءَ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلَ قَامَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنَيْنِ أَحَدُهُمَا بِالشِّرَاءِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي بِالتَّخْلِيصِ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ (أَخْذُهُ) أَيْ أَخْذُ الْعَبْدِ (مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي) قَبْلَ أَخْذِهِ الْأَوَّلِ مِنْ الثَّانِي وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ غَائِبًا لِوُرُودِ الْأَسْرِ عَلَى مِلْكِ الْأَوَّلِ لَا عَلَى مِلْكِ الْقَدِيمِ.
(وَلَا يَمْلِكُونَ) أَيْ الْكُفَّارُ بِالِاسْتِيلَاءِ التَّامِّ وَالْإِحْرَازِ بِدَارِهِمْ (حُرَّنَا وَمُدَبَّرَنَا وَأُمَّ وَلَدِنَا وَمُكَاتَبِنَا) لِأَنَّ الْمِلْكَ بِاسْتِيلَاءٍ إنَّمَا يَثْبُتُ إذَا وَرَدَ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ وَالْحُرُّ مَعْصُومٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ رِقًّا وَكَذَا مَنْ سِوَاهُ لِثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ مِنْ وَجْهٍ (وَيُمْلَكُ عَلَيْهِمْ كُلُّ ذَلِكَ) أَيْ حُرُّهُمْ وَمُدَبَّرُهُمْ وَأَمُّ وَلَدِهِمْ وَمُكَاتَبُهُمْ لِلِاسْتِيلَاءِ عَلَى مُبَاحٍ فَلَوْ أَهْدَى مَلِكٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ إلَى مُسْلِمٍ هَدِيَّةً مِنْ أَحْرَارِهِمْ مَلَكَهُ إلَّا إذَا كَانَ قَرَابَةً لَهُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَلَا يَمْلِكُونَ عَبْدًا) أَوْ أَمَةً (أَبَقَ إلَيْهِمْ) عِنْدَ الْإِمَامِ وَالشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْآبِقَ لَمَّا انْفَصَلَ عَنْ دَارِنَا زَالَتْ يَدُ الْمَالِكِ عَنْهُ فَظَهَرَ يَدُهُ عَلَى نَفْسِهِ فَصَارَ مَعْصُومًا فَلَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْمِلْكِ وَفِي إطْلَاقِ الْعَبْدِ إشْعَارٌ بِأَنَّ عَبْدَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ سَوَاءٌ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ لَكِنْ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ فِيهِ قَوْلَانِ (فَيَأْخُذُهُ مَالِكُهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ مَجَّانًا أَيْضًا) أَيْ كَمَا يَأْخُذُهُ مَالِكُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ (لَكِنْ يُعَوَّضُ عَنْهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إعَادَةُ الْقِسْمَةِ لِتَفَرُّقِ الْغَانِمِينَ وَتَعَذُّرِ اجْتِمَاعِهِمْ وَلَيْسَ لَهُ عَلَى الْمَالِكِ جَعْلُ الْآبِقِ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ إذْ فِي زَعْمِهِ أَنَّهُ مَلَكَهُ (وَعِنْدَهُمَا هُوَ) أَيْ الْعَبْدُ الْآبِقُ إلَيْهِمْ (كَالْمَأْسُورِ) فَيَمْلِكُونَهُ بِالِاسْتِيلَاءِ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ لِحَقِّ الْمَالِكِ لِقِيَامِ يَدِهِ وَقَدْ زَالَتْ وَلِهَذَا لَوْ أَخَذُوهُ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ مَلَكُوهُ قَيَّدَ بِالْإِبَاقِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُتَرَدِّدًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَأَخَذُوهُ وَأَحْرَزُوهُ بِدَارِ الْحَرْبِ يَمْلِكُونَهُ اتِّفَاقًا.
وَفِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ الْخِلَافُ فِيمَا أَخَذُوهُ قَهْرًا أَوْ قَيَّدُوهُ أَمَّا إذَا لَمْ يُقْهَرْ فَلَا يَمْلِكُونَهُ اتِّفَاقًا، انْتَهَى.
فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لَا يَمْلِكُونَ عَبْدًا أَبَقَ إلَيْهِمْ فَأَخَذُوهُ قَهْرًا لَكَانَ أَوْلَى.
تَدَبَّرْ.
(وَإِنْ أَبَقَ) الْعَبْدُ (بِفَرَسٍ وَمَتَاعٍ فَاشْتَرَى رَجُلٌ ذَلِكَ كُلَّهُ) أَيْ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْعَبْدِ وَالْفَرَسِ وَالْمَتَاعِ (وَأَخْرَجَهُ) إلَى دَارِنَا (أَخَذَ الْمَالِكُ مَا سِوَى الْعَبْدِ بِالثَّمَنِ وَ) أَخَذَ (الْعَبْدَ مَجَّانًا) هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا) أَخَذَهُ (بِالثَّمَنِ أَيْضًا) أَيْ كَمَا يَأْخُذُ الْفَرَسَ وَالْمَتَاعَ إنْ شَاءَ بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ.
(وَإِنْ اشْتَرَى) حَرْبِيٌّ (مُسْتَأْمِنٌ) فِي دَارِنَا (عَبْدًا مُسْلِمًا وَأَدْخَلَهُ دَارَهُمْ عَتَقَ) عِنْدَ الْإِمَامِ وَتَقْيِيدُ الْعَبْدِ بِالْإِسْلَامِ اتِّفَاقِيٌّ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذِمِّيًّا فَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ فَعَلَى هَذَا لَوْ أَطْلَقَهُ لَكَانَ أَوْلَى (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ لَا يَعْتِقُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى بَيْعِهِ فَقَدْ زَالَ إذْ لَا يَدَ لَنَا عَلَيْهِمْ فَبَقِيَ عَبْدًا فِي أَيْدِيهِمْ قُلْنَا إذَا زَالَتْ وِلَايَةُ الْجَبْرِ أُقِيمَ الْإِعْتَاقُ مَقَامَهُ تَخْلِيصًا لِلْمُسْلِمِ عَنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ قَيَّدَ بِكَوْنِ الْحَرْبِيِّ مَلَكَهُ فِي دَارِنَا لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ إذَا أَسَرَهُ الْحَرْبِيُّ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ وَأَدْخَلَهُ دَارِهِ لَا يُعْتَقُ اتِّفَاقًا.
(وَإِنْ أَسْلَمَ عَبْدٌ لَهُمْ) أَيْ لِلْكُفَّارِ (ثَمَّةَ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ (فَجَاءَنَا) مُسْلِمًا (أَوْ ظَهَرْنَا) أَيْ غَلَبْنَا (عَلَيْهِمْ أَوْ خَرَجَ إلَى عَسْكَرِنَا) مُسْلِمًا (فَهُوَ حُرٌّ) فَلَا يَثْبُتُ الْوَلَاءُ مِنْ أَحَدٍ، وَالتَّقْيِيدُ بِإِسْلَامِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ اتِّفَاقِيٌّ إذْ لَوْ خَرَجَ مُرَاغِمًا لِمَوْلَاهُ فَآمَنَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ أَوْ بِأَمْرِهِ لِحَاجَةٍ فَأَسْلَمَ فِي دَارِنَا فَإِنَّ حُكْمَهُ أَنْ يَبِيعَهُ الْإِمَامُ وَيَحْفَظَ ثَمَنَهُ لِمَوْلَاهُ الْحَرْبِيِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ.

.بَاب الْمُسْتَأْمَنِ:

(الْمُسْتَأْمَنِ) هُوَ مَنْ يَدْخُلُ دَارَ غَيْرِهِ بِأَمَانٍ فَشَمِلَ مُسْلِمًا دَخَلَ دَارَهُمْ بِأَمَانٍ وَكَافِرًا دَخَلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ وَتَقْدِيمُ اسْتِيمَانِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ ظَاهِرٌ (إذَا دَخَلَ تَاجِرُنَا إلَيْهِمْ) أَيْ دَخَلَ مُسْلِمٌ إلَى دَارِ الْحَرْبِ (بِأَمَانٍ لَا يَحِلُّ لَهُ) أَيْ لِتَاجِرِنَا الْمُسْلِمِ الْمُسْتَأْمَنِ (أَنْ يَتَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِمْ أَوْ دِمَائِهِمْ) لِأَنَّهُ دَخَلَ بِأَمَانٍ فَالتَّعَرُّضُ غَدْرٌ (فَإِنْ) غَدَرَ بِهِمْ التَّاجِرُ وَ (أَخَذَ شَيْئًا وَأَخْرَجَهُ) مِنْ دَارِهِمْ بِطَرِيقِ التَّعَرُّضِ بِهِ (مَلَكَهُ) بِالِاسْتِيلَاءِ مِلْكًا (مَحْظُورًا) أَيْ خَبِيثًا لِأَنَّهُ حَصَّلَهُ بِالْغَدْرِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ جَارِيَةً كُرِهَ وَطْؤُهَا لِلْمُشْتَرِي كَمَا لِلْبَائِعِ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَطْؤُهَا إلَّا لِلْبَائِعِ (فَيَتَصَدَّقُ بِهِ) تَنَزُّهًا عَنْهُ.
(وَإِنْ غَدَرَ بِهِ) أَيْ بِالتَّاجِرِ (مَلِكُهُمْ) أَيْ مَلِكُ الْكُفَّارِ (فَأَخَذَ مَالَهُ أَوْ حَبَسَهُ) أَيْ التَّاجِرَ (أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ) أَيْ أَخَذَ مَالَهُ أَوْ حَبَسَهُ (غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ مَلِكِهِمْ (بِعِلْمِهِ) أَيْ الْمَلِكِ وَلَمْ يَنْهَهُ (حَلَّ لَهُ) أَيْ لِلتَّاجِرِ (التَّعَرُّضُ) لِمَالِهِمْ وَدَمِهِمْ لِأَنَّهُمْ نَقَضُوا الْعَهْدَ فَيُبَاحُ لَهُ التَّعَرُّضُ (كَالْأَسِيرِ) وَالْمُتَلَصِّصِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الْمَالِ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَإِنْ أَطْلَقُوهُ طَوْعًا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَأْمَنٍ دُونَ اسْتِبَاحَةِ الْفَرْجِ لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ إلَّا بِالْمِلْكِ وَلَا مِلْكَ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِنَا إلَّا إذَا وَجَدَ امْرَأَتَهُ الْمَأْسُورَةَ أَوْ أَمَّ وَلَدِهِ أَوْ مُدَبَّرَةً وَلَمْ يَطَأْهَا أَهْلُ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ إذَا وَطِئَهُنَّ يَجِبُ الْعِدَّةُ لِلشُّبْهَةِ بِخِلَافِ أَمَتِهِ الْمَأْسُورَةِ حَيْثُ لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا مُطْلَقًا لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ.
(وَإِنْ أَدَانَهُ) أَيْ بَاعَهُ بِالدَّيْنِ وَالْمُرَادُ مِنْ الدَّيْنِ مَا هُوَ الْأَعَمُّ مِنْ الْبَيْعِ بِالدَّيْنِ وَالِابْتِيَاعِ بِهِ أَوْ الْقَرْضِ (ثَمَّةَ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ (حَرْبِيٌّ أَوْ أَدَانَ) هُوَ (حَرْبِيًّا) أَيْ دَخَلَ الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَجَعَلَهُ الْحَرْبِيُّ مَدْيُونًا بِتَصَرُّفٍ أَوْ جَعَلَ الْحَرْبِيَّ مَدْيُونًا بِتَصَرُّفٍ مَا (أَوْ غَصَبَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ وَخَرَجَا) أَيْ ذَلِكَ التَّاجِرُ وَالْحَرْبِيُّ (إلَيْنَا) وَتَحَاكَمَا عِنْدَ حَاكِمٍ (لَا يَقْضِي) لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ (بِشَيْءٍ) أَمَّا الْإِدَانَةُ فَلِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ يَعْتَمِدُ الْوِلَايَةَ وَلَا وِلَايَةَ وَقْتَ الْإِدَانَةِ أَصْلًا وَلَا وَقْتَ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَ حُكْمَ الْإِسْلَامِ فِيمَا مَضَى مِنْ أَفْعَالِهِ وَإِنَّمَا الْتِزَامُ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَأَمَّا الْغَصْبُ فَلِأَنَّهُ صَارَ مِلْكًا لِلَّذِي غَصَبَهُ وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِ لِمُصَادَفَتِهِ مَالًا غَيْرَ مَعْصُومٍ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَقْضِي بِالدَّيْنِ عَلَى الْمُسْلِمِ دُونَ الْغَصْبِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ أَحْكَامَهُ حَيْثُ كَانَ، وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَمَّا امْتَنَعَ فِي حَقِّ الْمُسْتَأْمَنِ امْتَنَعَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ أَيْضًا تَحْقِيقًا لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا (وَكَذَا) لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ (لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ حَرْبِيَّانِ) أَيْ لَوْ أَدَانَ أَوْ غَصَبَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ فِي دَارِهِمْ (وَخَرَجَا) إلَيْنَا (مُسْتَأْمَنَيْنِ) لِمَا ذَكَرْنَا.
(وَإِنْ خَرَجَا) أَيْ الْحَرْبِيَّانِ إلَيْنَا بَعْدَمَا فَعَلَا ذَلِكَ حَالَ كَوْنِهِمَا (مُسْلِمَيْنِ قَضَى بِالدَّيْنِ) لِوُقُوعِ الْمُدَايَنَةِ بِتَرَاضِيهِمَا وَالْتِزَامِهِمَا الْأَحْكَامَ بِالْإِسْلَامِ (لَا بِالْغَصْبِ) لِأَنَّهُ مَلَكَهُ فَلَا خُبْثَ فِي مِلْكِ الْحَرْبِيِّ لِيُؤْمَرَ بِالرَّدِّ.
(وَلَوْ أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ بَعْدَمَا غَصَبَهُ) أَيْ غَصَبَ مِنْهُ (الْمُسْلِمُ ثُمَّ خَرَجَا) حَالَ كَوْنِهِمَا مُسْلِمَيْنِ إلَيْنَا (يُفْتِي بِالرَّدِّ دِيَانَةً) وَلَا يَقْضِي عَلَيْهِ اقْتَصَرَ عَلَى الْغَصْبِ وَسَكَتَ عَنْ الْإِفْتَاءِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مَعَ أَنَّهُ يُفْتِي بِأَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الدَّيْنِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا فِي الْفَتْحِ وَفِي الْبَحْرِ خَرَجَ حَرْبِيٌّ مَعَ مُسْلِمٍ إلَى الْعَسْكَرِ فَادَّعَى الْمُسْلِمُ أَنَّهُ أَسِيرٌ وَقَالَ كُنْت مُسْتَأْمَنًا فَالْقَوْلُ لِلْحَرْبِيِّ إلَّا إذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ كَكَوْنِهِ مَكْتُوفًا أَوْ مَغْلُولًا أَوْ كَانَ مَعَ عَدَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْلِمِ.
(وَإِنْ قَتَلَ أَحَدُ الْمُسْلِمَيْنِ الْمُسْتَأْمَنِينَ الْآخَرَ ثَمَّةَ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ (فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ) أَيْ فِي مَالِ الْقَاتِلِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ (وَالْكَفَّارَةُ أَيْضًا) أَيْ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ كَالدِّيَةِ (فِي الْخَطَأِ) دُونَ الْعَمْدِ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ عِنْدَنَا فِي الْعَمْدِ أَمَّا الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ فَلِإِطْلَاقِ الْكِتَابِ وَإِنَّمَا تَجِبُ فِي مَالِهِ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَى الصِّيَانَةِ مَعَ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ وَالْوُجُوبِ عَلَيْهِمْ عَلَى اعْتِبَارِ تَرْكِهَا وَإِنَّمَا تَجِبُ فِي الْعَمْدِ فِي مَالِهِ لِأَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا يَعْقِلُ الْعَمْدَ وَالْقِصَاصُ قَدْ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الدِّيَةِ صِيَانَةً لِلدَّمِ الْمَعْصُومِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ عَلَيْهِ الْقَوَدَ فِي الْعَمْدِ.
(وَإِنْ كَانَا أَسِيرَيْنِ) فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ (فَلَا شَيْءَ إلَّا الْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَأِ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا) الْأَسِيرَانِ (كَالْمُسْتَأْمَنِينَ) أَيْ تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي الْعَمْدِ وَفِي الْخَطَأِ مِنْ مَالِهِ وَالْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَأِ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ لَا تَبْطُلُ بِالْأَسْرِ كَمَا لَا تَبْطُلُ بِالدُّخُولِ فِي دَارِهِمْ بِالْأَمَانِ وَلَهُ أَنَّ الْأَسِيرَ صَارَ تَبَعًا لَهُمْ بِالْقَهْرِ فَلَا تَجِبُ بِقَتْلِهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَهُوَ الْحَرْبِيُّ بِخِلَافِ الْمُسْتَأْمَنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَقْهُورٍ (وَلَا شَيْءَ فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ ثَمَّةَ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ (مُسْلِمًا أَسْلَمَ وَلَمْ يُهَاجِرْ) إلَيْنَا (سِوَى الْكَفَّارَةِ فِي الْخَطَأِ اتِّفَاقًا) عِنْدَ أَئِمَّتِنَا وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ عَمْدًا وَتَجِبُ الدِّيَةُ بِقَتْلِهِ خَطَأً.

.فَصْلٌ بَيَانِ مَا بَقِيَ مِنْ أَحْكَامِ الْمُسْتَأْمَنِ:

(لَا يُمَكَّنُ) مِنْ التَّمْكِينِ (مُسْتَأْمَنٌ) حَرْبِيٌّ (أَنْ يُقِيمَ فِي دَارِنَا سَنَةً) لِضَرَرِ الْإِطْلَاعِ عَلَيْنَا (وَيُقَالُ) أَيْ قَالَ الْإِمَامُ (لَهُ) أَيْ لِلْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ (إنْ أَقَمْت سَنَةً نَضَعُ عَلَيْك الْجِزْيَةَ) أَيْ الْمَالَ الَّذِي يُوضَعُ عَلَى الذِّمِّيِّ وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَمَا وَقَعَ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّ فِي ذَلِكَ تَقْرِيرًا لِلْكَافِرِ عَلَى أَعْظَمِ الْجَرَائِمِ وَهُوَ الْكُفْرُ فَمَرْدُودٌ بِأَنَّهُ دَعْوَةٌ إلَى الْإِسْلَامِ بِأَحْسَنِ الْجِهَاتِ وَهُوَ أَنْ يَسْكُنَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَيَرَى مَحَاسِنَ الْإِسْلَامِ فَيُسْلِمَ مَعَ دَفْعِ شَرِّهِ فِي الْحَالِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ قَيَّدَ بِالسَّنَةِ لِأَنَّهَا أَقْصَى الْمَآرِبِ وَفِيهَا تَجِبُ الْجِزْيَةُ وَلَوْ مُنِعَ عَنْ مُكْثِهِ فِيمَا دُونَهَا لَانْسَدَّ بَابُ التِّجَارَاتِ وَتَضَرَّرَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ يُشْكِلُ بِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ قِيلَ لَهُ إنْ أَقَمْت شَهْرًا إلَى آخِرِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ مَرْجِعَ ذَلِكَ إلَى الْمَصْلَحَةِ وَالْإِمَامُ أَدْرَى بِهَا فَإِذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي السَّنَةِ وَقَّتَ بِهَا وَمَكَّنَهُ مِنْ الْإِقَامَةِ الْيَسِيرَةِ الَّتِي هِيَ دُونَهَا، وَإِذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي أَنْ يُوَقِّتَ بِمَا دُونَهَا نَحْوَ الشَّهْرَيْنِ فَعَلَ وَمَكَّنَهُ مِنْ الْإِقَامَةِ دُونَهَا وَأَنَّ الْمَمْنُوعَ أَنْ يُمَكَّنَ مِنْ إقَامَةٍ دَائِمَةٍ وَهِيَ السَّنَةُ وَمَا فَوْقَهَا ثُمَّ يُمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ وَهَذَا لَا يُنَافِي كَمَا فِي الْمِنَحِ لَكِنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَامٍّ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَشَّى بِقَوْلِهِ وَلَوْ مُنِعَ عَنْ مُكْثِهِ فِيمَا دُونَهَا لَانْسَدَّ بَابُ التِّجَارَاتِ وَتَضَرَّرَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ، تَأَمَّلْ.
وَقَيَّدَ بِالْمُسْتَأْمَنِ لِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ دَارَنَا بِلَا أَمَانٍ فَهُوَ وَمَا مَعَهُ فَيْءٌ وَإِنْ قَالَ دَخَلْت بِأَمَانٍ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ رَجُلَانِ (فَإِنْ أَقَامَ) هُنَا (سَنَةً) وَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ (صَارَ ذِمِّيًّا) لِأَنَّهُ صَارَ مُلْتَزِمًا لِلْجِزْيَةِ بَعْدَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِإِقَامَتِهِ سَنَةً وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى اشْتِرَاطِ الْقَوْلِ وَالْمُدَّةِ لِصَيْرُورَتِهِ ذِمِّيًّا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْعَتَّابِيِّ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ أَقَامَ سِنِينَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْإِمَامُ إلَيْهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ لَكِنَّ فِي كَلَامِ الْمَبْسُوطِ دَلَالَةً عَلَى أَنَّهُ يَصِيرُ ذِمِّيًّا بِمُجَرَّدِ الْإِقَامَةِ سَنَةً وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَإِلَى أَنَّهُ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ فِي حَوْلِ الْمُكْثِ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَارَ ذِمِّيًّا بَعْدَهُ فَتَجِبُ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي إلَّا بِشَرْطِ أَخْذِهَا مِنْهُ فِيهِ وَإِلَى أَنَّهُ يَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ وَيَضْمَنُ الْمُسْلِمُ قِيمَةَ خَمْرِهِ وَخِنْزِيرِهِ إذَا أَتْلَفَهُ وَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَيْهِ إذَا قَتَلَهُ خَطَأً وَيَجِبُ كَفُّ الْأَذَى عَنْهُ وَتَحْرُمُ غِيبَتُهُ كَالْمُسْلِمِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْعَوْدِ إلَى دَارِهِ) لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ لَا يُنْتَقَصُ لِكَوْنِهِ خَلَفًا عَنْ الْإِسْلَامِ (وَكَذَا) يَصِيرُ ذِمِّيًّا (لَوْ قِيلَ) أَيْ قَالَ الْإِمَامُ (لَهُ) لِلْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ (إنْ أَقَمْت شَهْرًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ) نَضَعُ عَلَيْك الْجِزْيَةَ (فَإِنْ أَقَامَ) الْمُدَّةَ الَّتِي قَدَّرَهَا الْإِمَامُ (أَوْ اشْتَرَى أَرْضًا وَوَضَعَ عَلَيْهِ خَرَاجَهَا) أَيْ خَرَاجَ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ إذَا وَضَعَ عَلَيْهِ فَقَطْ لَزِمَهُ حُكْمٌ يَتَعَلَّقُ بِالْمَقَامِ فِي دَارِنَا فَصَارَ ذِمِّيًّا ضَرُورَةً وَلَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا بِمُجَرَّدِ الِاشْتِرَاءِ لِجَوَازِ أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِلتِّجَارَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ (وَعَلَيْهِ جِزْيَةُ سَنَةٍ مِنْ حِينِ وَضْعِ الْخَرَاجِ) لِمَا ذَكَرْنَاهُ (أَوْ نَكَحَتْ الْمُسْتَأْمَنَةُ ذِمِّيًّا) لِأَنَّهَا الْتَزَمَتْ الْمَقَامَ تَبَعًا لِلزَّوْجِ فَتَكُونُ ذِمِّيَّةً هَذَا عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ اشْتَرَى وَلَوْ قَالَ أَوْ صَارَ لَهَا زَوْجٌ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهَا لَوْ تَزَوَّجَتْ مُسْلِمًا تَكُونُ ذِمِّيَّةً أَيْضًا وَلِأَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ عِنْدَنَا وَهُوَ لَيْسَ بِشَرْطٍ هُنَا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ النِّكَاحَ بِمَعْنَى الْعَقْدِ بِإِضَافَتِهِ إلَيْهَا وَلِأَنَّهُ يَشْمَلُ مَا إذَا دَخَلَ الْمُسْتَأْمَنُ بِامْرَأَتِهِ دَارَنَا ثُمَّ صَارَ الزَّوْجُ ذِمِّيًّا فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ وَهِيَ كِتَابِيَّةٌ وَيَشْمَلُ مَا إذَا تَزَوَّجَ مُسْتَأْمَنٌ مُسْتَأْمَنَةً فِي دَارِنَا ثُمَّ صَارَ الرَّجُلُ ذِمِّيًّا كَمَا فِي الْمِنَحِ، تَأَمَّلْ.
(لَا لَوْ نَكَحَ هُوَ) أَيْ الْمُسْتَأْمَنُ الْحَرْبِيُّ (ذِمِّيَّةً) لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ الْمُقَامَ فِي دَارِنَا لِتَمَكُّنِهِ مِنْ طَلَاقِهَا لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ بَيِّنٌ فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ فَلْيُطَالَعْ (فَإِنْ رَجَعَ إلَى دَارِهِ حَلَّ دَمُهُ) لِصَيْرُورَتِهِ حَرْبِيًّا وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِكَوْنِهِ ذِمِّيًّا أَوْ بَعْدَهُ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ صَارَ حَرْبِيًّا كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(وَإِنْ كَانَ لَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَأْمَنِ الرَّاجِعِ إلَى دَارِهِ (وَدِيعَةٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ دَيْنٌ عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ (فَأُسِرَ أَوْ ظُهِرَ عَلَيْهِمْ) مَبْنِيَّانِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ أُسِرَ ذَلِكَ الرَّاجِعُ أَوْ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى دَارِهِمْ فَقُتِلَ (سَقَطَ دَيْنُهُ) لِأَنَّ إثْبَاتَ الْيَدِ عَلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْمُطَالَبَةِ وَقَدْ سَقَطَتْ وَيَدُ مَنْ عَلَيْهِ أَسْبَقُ إلَيْهِ مِنْ يَدِ الْعَامَّةِ فَيُخَصُّ بِهِ فَيَسْقُطُ (وَصَارَتْ وَدِيعَتُهُ) عِنْدَهُمَا (فَيْئًا) لِلْغُزَاةِ تَبَعًا لِنَفْسِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَتْ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تَصِيرُ مِلْكًا لِلْمُودِعِ لِأَنَّ يَدَهُ فِيهَا أَسْبَقُ فَكَانَ بِهَا أَحَقَّ وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الرَّهْنِ قَالُوا وَالرَّهْنُ لِلْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُبَاعُ وَيُسْتَوْفَى دَيْنُهُ وَالزِّيَادَةُ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ فِي حُكْمِ الْوَدِيعَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ وَصَارَ مَالُهُ فَيْئًا لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ الْوَدِيعَةَ لِأَنَّ مَا عِنْدَ شَرِيكِهِ وَمُضَارِبِهِ وَمَا فِي بَيْتِهِ فِي دَارِنَا كَذَلِكَ.
(وَإِنْ قُتِلَ) أَيْ ذَلِكَ الرَّاجِعُ (وَلَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ (أَوْ مَاتَ) حَتْفَ أَنْفِهِ (فَهُمَا) أَيْ الدَّيْنُ الْوَدِيعَةُ (لِوَرَثَتِهِ) بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ حُكْمَ الْأَمَانِ بَاقٍ فِي مَالِهِ لِعَدَمِ بُطْلَانِهِ (فَإِنْ جَاءَنَا) حَرْبِيٌّ إلَيْنَا (بِأَمَانٍ وَلَهُ زَوْجَةٌ هُنَاكَ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ (وَوَلَدٌ) صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ (وَمَالٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ حَرْبِيٍّ فَأَسْلَمَ هُنَا) أَيْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ (ثُمَّ ظَهَرَ) أَيْ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ (عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ (فَالْكُلُّ) مِنْ الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ وَالْمَالِ (فَيْءٌ) أَمَّا الْمَرْأَةُ وَأَوْلَادُهُ الْكِبَارُ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُمْ حَرْبِيُّونَ وَلَيْسُوا بِأَتْبَاعٍ وَكَذَلِكَ مَا فِي بَطْنِهَا لَوْ كَانَتْ حَامِلًا لِأَنَّهُ جُزْؤُهَا أَمَّا أَوْلَادُهُ الصِّغَارُ فَلِأَنَّ الصَّغِيرَ إنَّمَا يَصِيرُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِإِسْلَامِ أَبِيهِ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ وَتَحْتَ وِلَايَتِهِ وَمَعَ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ لَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ وَكَذَا أَمْوَالُهُ لَا تَصِيرُ مُحَرَّزَةً بِإِحْرَازِ نَفْسِهِ لِاخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ فَبَقِيَ الْكُلُّ فَيْئًا وَلَوْ سُبِيَ الصَّبِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ يَكُونُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِأَبِيهِ لِأَنَّهُمَا اجْتَمَعَا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ وَمَعَ كَوْنِهِ مُسْلِمًا لَا يَخْرُجُ عَنْ الرِّقِّ.
(وَإِنْ أَسْلَمَ) أَيْ الْحَرْبِيُّ (ثَمَّةَ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ (ثُمَّ جَاءَ) إلَيْنَا (فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ (فَطِفْلُهُ حُرٌّ مُسْلِمٌ) تَبَعًا لِأَبِيهِ (وَوَدِيعَتُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لَهُ) أَيْ لِلَّذِي أَسْلَمَ ثَمَّةَ لِأَنَّ يَدَهُمَا كَيَدِهِ (وَغَيْرُ ذَلِكَ) مِنْ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ وَالْعَقَارِ الْوَدِيعَةِ الَّتِي عِنْدَ حَرْبِيٍّ (فَيْءٌ) لِعَدَمِ التَّبَعِيَّةِ وَعَدَمِ الْعِصْمَةِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ فِي يَدِ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ يَكُونُ فَيْئًا لِعَدَمِ النِّيَابَةِ.
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ (وَمَنْ أَسْلَمَ ثَمَّةَ وَلَهُ هُنَاكَ وَارِثٌ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ فَقَتَلَهُ مُسْلِمٌ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا الْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَأِ) لَكِنْ ذَكَرْت هَذِهِ قُبَيْلَ هَذَا الْفَصْلِ فَتَكُونُ مُكَرَّرَةً.
(وَإِنْ قُتِلَ مُسْلِمٌ لَا وَلِيَّ لَهُ خَطَأً أَوْ) قُتِلَ (مُسْتَأْمَنٌ أَسْلَمَ هُنَا) أَيْ فِي دَارِنَا (فَلِلْإِمَامِ أَخْذُ الدِّيَةِ) أَيْ حَقُّ الْأَخْذِ لَهُ لِأَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ لَا أَنَّهُ يَمْلِكُهُ الْإِمَامُ كَمَا تُوُهِّمَ بَلْ يُوضَعُ لِبَيْتِ الْمَالِ (مِنْ عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ) لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً خَطَأً فَيُعْتَبَرُ بِسَائِرِ النُّفُوسِ الْمَعْصُومَةِ (وَفِي الْعَمْدِ لَهُ) أَيْ لِلْإِمَامِ (أَنْ يَقْتَصَّ) إنْ شَاءَ (أَوْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ) بِطَرِيقِ الصُّلْحِ (إنْ شَاءَ) أَيْ يَنْظُرُ فِيهِ الْإِمَامُ فَأَيُّهُمَا رَأَى أَصْلَحَ فَعَلَ (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلْإِمَامِ (الْعَفْوُ مَجَّانًا) لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مُقَيَّدٌ بِالنَّظَرِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ إبْطَالُ حَقِّ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ عِوَضٍ.
وَفِي الدُّرَرِ دَارُ الْحَرْبِ تَصِيرُ دَارَ الْإِسْلَامِ بِإِجْرَاءِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ فِيهَا كَإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ وَالْأَعْيَادِ وَإِنْ بَقِيَ فِيهَا كَافِرٌ صَلَّى وَلَمْ يَتَّصِلْ بِدَارِ الْإِسْلَامِ بِأَنْ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ دَارِ الْإِسْلَامِ مِصْرٌ آخَرُ لِأَهْلِ الْحَرْبِ وَيُعْكَسُ أَيْ يَصِيرُ دَارُ الْإِسْلَامِ دَارَ الْحَرْبِ بِأُمُورٍ ثَلَاثَةٍ بِإِجْرَاءِ أَحْكَامِ الشِّرْكِ فِيهَا وَاتِّصَالِهَا بِدَارِ الْحَرْبِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا مِصْرٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَإِنْ لَا تَبَقَّى فِيهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ آمِنًا بِالْأَمَانِ الْأَوَّلِ عَلَى نَفْسِهِ هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا إذَا أَجْرَوْا فِيهَا أَحْكَامَ الشِّرْكِ صَارَتْ دَارَ الْحَرْبِ سَوَاءٌ اتَّصَلَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ لَا وَبَقِيَ فِيهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ بِالْأَمَانِ الْأَوَّلِ أَوْ لَا.

.بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ:

أَيْ فِي بَيَانِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ، لَمَّا ذَكَرَ مَا يَصِيرُ بِهِ الْحَرْبِيُّ ذِمِّيًّا شَرَعَ فِي بَيَانِ الْخَرَاجِ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ وَذِكْرِ الْعُشْرِ اسْتِطْرَادًا لِأَنَّ سَبَبَ كُلٍّ مِنْهُمَا هُوَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ وَقَدَّمَهُ عَلَى الْخَرَاجِ لِكَوْنِهِ مِنْ الْوَظَائِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ قَالَ الْمَوْلَى سَعْدِيٌّ عُنْوِنَ الْبَابُ بِمَا لَيْسَ مَقْصُودًا مِنْهُ وَقَدْ اسْتَقْبَحَهُ الْبَعْضُ وَالْعُشْرُ لُغَةً وَاحِدٌ مِنْ الْعَشَرَةِ وَالْخَرَاجُ مَا يَخْرُجُ مِنْ نَمَاءِ الْأَرْضِ أَوْ نَمَاءِ الْغُلَامِ وَسُمِّيَ بِهِ مَا يَأْخُذُهُ السُّلْطَانُ مِنْ وَظِيفَةِ الْأَرْضِ وَالرَّأْسِ وَحَدَّدَ أَرَاضِيِهِمَا أَوَّلًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ أَضْبَطُ فَقَالَ (أَرْضُ الْعَرَبِ عُشْرِيَّةٌ وَهِيَ) أَيْ أَرْضُ الْعَرَبِ (مَا بَيْنَ الْعُذَيْبِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الذَّالِ تَصْغِيرُ عَذْبٍ يُرَادُ بِهِ مَاءُ تَمِيمٍ (إلَى أَقْصَى حَجَرٍ) وَهُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْجِيمِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ: الصَّخْرُ، فَمَنْ رَوَى بِسُكُونِ الْجِيمِ وَفَسَّرَهُ بِالْجَانِبِ فَقَدْ صَحَّفَهُ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي أَمَالِي أَبِي يُوسُفَ الصَّخْرُ مَوْضِعُ الْحَجَرِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ (بِالْيَمَنِ بِمَهْرَةَ) بِالْفَتْحِ وَالسُّكُونِ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ بِالْيَمَنِ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ اسْمُ رَجُلٍ أَوْ اسْمُ قَبِيلَةٍ تُنْسَبُ إلَيْهِ الْإِبِلُ الْمَهْرِيَّةُ فَسَمَّى ذَلِكَ الْمُقَامَ بِهِ هَذَا طُولُهَا وَأَمَّا عَرْضُهَا فَهُوَ مَا بَيْنَ يَبْرِينَ وَالدَّهْنَاءِ وَرَمْلٍ وَعَالِجٍ وَهِيَ أَسْمَاءُ مَوَاضِعَ (إلَى حَدِّ الشَّامِ) أَيْ إلَى مَشَارِفِ الشَّامِ وَقُرَاهَا لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَالْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ لَمْ يَأْخُذُوا الْخَرَاجَ مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْفَيْءِ فَلَا يَثْبُتُ فِي أَرَاضِيِهِمْ كَمَا لَا يَثْبُتُ فِي رِقَابِهِمْ؛ وَهَذَا لِأَنَّ وَضْعَ الْخَرَاجِ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يُقِرَّ أَهْلَهَا عَلَى الْكُفْرِ كَمَا فِي سَوَادِ الْعِرَاقِ وَمُشْرِكِي الْعَرَبِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
(وَكَذَا الْبَصْرَةُ) بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَكَانَ الْقِيَاسُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنْ تَكُونَ الْبَصْرَةُ خَرَاجِيَّةً لِأَنَّهَا مِنْ جُزْءِ أَرْضِ الْخَرَاجِ إلَّا أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَضَعُوا عَلَيْهَا الْعُشْرَ فَتُرِكَ الْقِيَاسُ لِإِجْمَاعِهِمْ قَالَ الْكَرْخِيُّ أَرْضُ الْحِجَازِ وَتِهَامَةَ وَالْيَمَنِ وَمَكَّةَ وَالطَّائِفِ وَالْبَرِّيَّةِ عُشْرِيَّةٌ.
(وَ) كَذَا (كُلُّ مَا) أَيْ الْأَرْضِ الَّتِي (أَسْلَمَ أَهْلُهُ) وَتَذْكِيرُ الضَّمِيرِ بِاعْتِبَارِ لَفْظَةِ مَا (أَوْ فُتِحَ عَنْوَةً وَقُسِمَ بَيْنَ الْغَانِمِينَ) لِأَنَّ اللَّائِقَ بِالْمُسْلِمِينَ وَضْعُ الْعُشْرِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ حَتَّى يُصْرَفَ مَصَارِفَ الصَّدَقَاتِ وَيُشْتَرَطَ فِيهِ النِّيَّةُ وَلِأَنَّهُ أَخَفُّ مِنْ الْخَرَاجِ لِتَعَلُّقِهِ بِحَقِيقَةِ الْخَارِجِ بِخِلَافِ الْخَرَاجِ (وَأَرْضُ السَّوَادِ) أَيْ سَوَادِ الْعِرَاقِ وَسُمِّيَ بِهِ لِخُضْرَةِ أَشْجَارِهَا وَزَرْعِهَا (خَرَاجِيَّةٌ) لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَضَعَ عَلَيْهَا الْخَرَاجَ بِحَضْرَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَهُوَ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُنْقَلَ فِيهِ أَثَرٌ مُعَيَّنٌ وَوَضَعَ الْخَرَاجَ عَلَى مِصْرَ حِينَ فَتَحَهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَكَذَا أَجْمَعُوا عَلَى وَضْعِ الْخَرَاجِ عَلَى الشَّامِ (وَهِيَ) أَيْ أَرْضُ السَّوَادِ (مَا بَيْنَ الْعُذَيْبِ) بَدَلٌ مِنْ السَّوَادِ (إلَى عَقَبَةِ حُلْوَانَ) بِضَمِّ الْحَاءِ اسْمُ بَلَدٍ (وَمِنْ الثَّعْلَبِيَّةِ) بِفَتْحِ الثَّلَاثَةِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ (أَوْ الْعَلْثِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَبِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ: قَرْيَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْعَلَوِيَّةِ عَلَى شَرْقِيِّ دِجْلَةَ وَهُوَ أَوَّلُ الْعِرَاقِ (إلَى عَبَّادَانَ) بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ حِصْنٌ صَغِيرٌ عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ.
وَفِي الْمُغْرِبِ وَوَضْعُ الثَّعْلَبِيَّةِ مَوْضِعَ الْعَلْثِ فِي حَدِّ السَّوَادِ خَطَأٌ لِأَنَّهَا مِنْ مَنَازِلِ الْبَادِيَةِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ فَعَلَى هَذَا لَوْ أَخَّرَهُ وَعَنْوَنَهُ بِ قِيلَ لَكَانَ أَوْلَى.
(وَكَذَا) فِي كَوْنِهَا خَرَاجِيَّةً (كُلُّ مَا) أَيْ أَرْضٍ (فُتِحَ عَنْوَةً وَأَقَرَّ أَهْلَهُ عَلَيْهِ) وَتَذْكِيرُ ضَمِيرِهَا عَلَى مَا مَرَّ بِاعْتِبَارِ لَفْظَةِ مَا (أَوْ صُولِحُوا) أَيْ صَالَحَ الْإِمَامُ مَعَ أَهْلِهَا أَنْ يُقِرَّهُمْ عَلَيْهَا وَلَمْ يَنْقُلْهُمْ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ لِأَنَّ اللَّائِقَ بِالْكُفَّارِ ابْتِدَاءً الْخَرَاجُ (سِوَى مَكَّةَ) فَإِنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً وَأَقَرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا إلَّا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يُوَظِّفْ عَلَى أَرَاضِيهَا الْخَرَاجَ وَتَرَكَهَا لِأَهْلِهَا وَكَمَا لَا رِقَّ عَلَى الْعَرَبِ فَكَذَا لَا خَرَاجَ عَلَى أَرَاضِيهمْ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا أَقَرَّ أَهْلَهُ عَلَيْهِ تَبَعًا لِلْقُدُورِيِّ وَقَيَّدَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّ مَا يَصِلُ إلَيْهَا مَاءُ الْأَنْهَارِ فَتَكُونُ خَرَاجِيَّةً وَمَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا مَاءُ الْأَنْهَارِ وَاسْتُخْرِجَ مِنْهَا عَيْنٌ فَهِيَ أَرْضٌ عُشْرِيَّةٌ لِأَنَّ الْعُشْرَ يَتَعَلَّقُ بِالْأَرْضِ النَّامِيَةِ وَنَمَاؤُهَا بِمَائِهَا فَيُعْتَبَرُ السَّقْيُ بِمَاءِ الْعُشْرِ أَوْ بِمَاءِ الْخَرَاجِ انْتَهَى لَكِنْ فِي الْفَتْحِ تَفْصِيلٌ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الَّتِي فُتِحَتْ عَنْوَةً إنْ أَقَرَّ الْكُفَّارَ عَلَيْهَا لَا يُوَظِّفُ عَلَيْهِمْ إلَّا الْخَرَاجَ وَإِنْ سُقِيَتْ بِمَاءِ الْمَطَرِ وَإِنْ قُسِمَتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لَا يُوَظِّفُ إلَّا الْعُشْرَ وَإِنْ سُقِيَتْ بِمَاءِ الْأَنْهَارِ فَلِهَذَا قَالَ فِي التَّبْيِينِ هَذَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ أَمَّا الْكَافِرُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ مِنْ أَيِّ مَاءٍ سَقَى لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُبْتَدَأُ بِالْعُشْرِ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ التَّفْصِيلُ فِي حَالَةِ الِابْتِدَاءِ إجْمَاعًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيهِ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ فِيمَنْ مَلَكَ أَرْضًا عُشْرِيَّةً فَتَصِيرُ خَرَاجِيَّةً عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ أَيْضًا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فَعَلَى هَذَا عُلِمَ أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ اخْتَارَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ، تَتَبَّعْ.
(وَأَرْضُ السَّوَادِ مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا) عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّهَا عِنْدَهُ وَقْفٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلُهَا مُسْتَأْجِرُونَ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ اسْتَطَابَ قُلُوبَ الْغَانِمِينَ فَآجَرَهَا لَكِنْ فِي التَّبْيِينِ رُدَّ مِنْ وُجُوهٍ فَلْيُطَالَعْ (يَجُوزُ بَيْعُهُمْ لَهَا وَتَصَرُّفُهُمْ فِيهَا) لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِكَوْنِ الْأَرَاضِي الْعُشْرِيَّةِ مَمْلُوكَةً لِأَهْلِهَا لَكِنْ إذَا كَانَتْ الْخَرَاجِيَّةُ مَمْلُوكَةً فَكَوْنُ الْعُشْرِيَّةِ مَمْلُوكَةً أَوْلَى.
هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ لَكِنْ أَفْتَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّ مَا وَرَاءَهُمَا أَرْضًا لَيْسَتْ بِعُشْرِيَّةٍ وَلَا خَرَاجِيَّةٍ بَلْ يُقَالُ لَهَا الْأَرْضُ الْمُمَلَّكَةُ وَاشْتُهِرَتْ بِالْأَرْضِ الْأَمِيرِيَّةِ وَهِيَ الْأَرْضُ الَّتِي فُتِحَتْ عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا لَكِنْ لَمْ تُمْلَكْ لِأَهْلِهَا بَلْ أُحْرِزَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ أُوجِرَتْ بِإِجَارَةٍ فَاسِدَةٍ بِشَرْطِ أَنْ يَزْرَعُوهَا وَيُؤَدُّوا مِنْ حَاصِلِهَا خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ وَاشْتُهِرَتْ عِنْدَ النَّاسِ بِالْعُشْرِيَّةِ كَمَا هُوَ حُكْمُ أَرَاضِي بَلَدِنَا وَلَيْسَتْ مِلْكًا لِمَنْ فِي أَيْدِيهِمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى بَيْعِهَا وَشِرَائِهَا وَهِبَتِهَا وَوَقْفِهَا إلَّا بِتَمْلِيكِ السُّلْطَانِ فَإِذَا مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قَامَ ابْنُهُ مَقَامَهُ وَيَتَصَرَّفُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَلَا تَعُودُ الْأَرَاضِي الَّتِي فِي يَدِهِ إلَى بَيْتِ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ لَهُ بِنْتٌ أَوْ أَخٌ لِأَبٍ وَطَالَبَاهُ يُعْطِي لَهُمَا بِأُجْرَةٍ بِطَرِيقِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أَيْضًا وَإِنْ عَطَّلَهَا مُتَصَرِّفُهَا ثَلَاثَ سِنِينَ أَوْ أَكْثَرَ بِحَسَبِ تَفَاوُتِ الْأَرْضِ تُنْزَعُ عَنْ يَدِهِ وَتُعْطَى لِآخَرَ وَإِنْ أَرَادَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ الْفَرَاغَ لِآخَرَ لَا يَقْدِرُ إلَّا بِإِذْنِ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ.
(وَإِنْ أَحْيَا مَوَاتًا) أَيْ أَحْيَا الْمُسْلِمُ الْأَرْضَ الَّتِي لَا مَالِكَ لَهَا وَلَا يَنْتَفِعُ بِهَا وَاحِدٌ (يُعْتَبَرُ قُرْبُهُ) فَإِنْ قَرُبَ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ فَخَرَاجِيٌّ أَوْ أَرْضِ الْعُشْرِ فَعُشْرِيٌّ، وَتَذْكِيرُ الضَّمِيرِ بِاعْتِبَارِ الْمَكَانِ (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) لِأَنَّ مَا قَرُبَ مِنْ الشَّيْءِ يَأْخُذُ حُكْمَهُ كَفِنَاءِ الدَّارِ لِصَاحِبِهَا الِانْتِفَاعُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِلْكًا لَهُ، وَلِذَا لَا يَجُوزُ إحْيَاءُ مَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ.
(وَ) يُعْتَبَرُ (مَاؤُهُ) وَتَذْكِيرُهُ كَمَا مَرَّ بِاعْتِبَارِ الْمَكَانِ (عِنْدَ مُحَمَّدٍ) فَإِنْ أَحْيَاهَا بِمَاءِ خَرَاجٍ فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ وَإِلَّا فَعُشْرِيَّةٌ وَلَوْ قَيَّدَ بِالْمُسْلِمِ كَمَا قَيَّدْنَا لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْكَافِرَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ مُطْلَقًا، فَلِهَذَا صَرَّحَ صَاحِبُ التَّنْوِيرِ فَقَالَ وَكُلٌّ مِنْ الْأَرَاضِي الْعُشْرِيَّةِ وَالْخَرَاجِيَّةِ إنْ سُقِيَ بِمَاءِ الْعُشْرِ أُخِذَ مِنْهُ الْعُشْرُ إلَّا أَرْضَ كَافِرٍ تُسْقَى بِمَاءِ الْعُشْرِ حَيْثُ يُؤْخَذُ مِنْهَا الْخَرَاجُ لِأَنَّهُ وَظِيفَتُهُ وَإِنْ سُقِيَ بِمَاءِ الْخَرَاجِ أُخِذَ مِنْهُ الْخَرَاجُ.

.أنواع الخراج:

(وَالْخَرَاجُ نَوْعَانِ) أَحَدُهُمَا (خَرَاجُ مُقَاسَمَةٍ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ جُزْءًا شَائِعًا مِنْ الْخَارِجِ كَالْخُمْسِ وَنَحْوِهِ كَالرُّبْعِ وَالثُّلُثِ وَالنِّصْفِ وَلَا يُزَادُ عَلَى النِّصْفِ (فَيَتَعَلَّقُ بِالْخَارِجِ كَالْعُشْرِ) أَيْ كَتَعَلُّقِهِ بِالْخَارِجِ إلَّا أَنَّهُ يُوضَعُ مَوْضِعَ الْخَرَاجِ لِأَنَّهُ خَرَاجٌ حَقِيقَةً كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ.
(وَ) الثَّانِي (خَرَاجُ وَظِيفَةٍ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ شَيْئًا فِي الذِّمَّةِ يَتَعَلَّقُ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ (وَلَا يُزَادُ عَلَى مَا وَضَعَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَلَى السَّوَادِ) أَيْ سَوَادِ الْعِرَاقِ (لِكُلِّ جَرِيبٍ) وَقَيَّدَهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ بِقَوْلِهِ يَبْلُغُهُ الْمَاءُ (صَالِحٍ لِلزَّرْعِ صَاعٌ مِنْ بُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ) قَيَّدَهُ بِالصَّالِحِ لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي غَيْرِ الصَّالِحِ لَهَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي بُرِّ أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ وَشَعِيرٍ دِرْهَمَانِ (وَدِرْهَمٌ) عَطْفٌ عَلَى صَاعٍ (وَلِجَرِيبِ الرَّطْبَةِ) بِالْفَتْحِ الْفِصْفِصَةُ (خَمْسَةُ دَرَاهِمَ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ سِتَّةُ دَرَاهِمَ (وَلِجَرِيبِ الْكَرْمِ أَوْ النَّخْلِ) جَمْعُ نَخْلَةٍ كَتَمْرٍ وَتَمْرَةٍ (الْمُتَّصِلِ) صِفَةُ الْكَرْمِ وَالنَّخْلِ وَإِفْرَادُهُ لِأَجْلِ كَلِمَةِ أَوْ (عَشَرَةُ دَرَاهِمَ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ ثَمَانِيَةُ دَرَاهِمَ.
وَفِي الْكَافِي فَإِنْ كَانَتْ الْأَشْجَارُ مُلْتَفَّةً لَا يُمْكِنُ زِرَاعَةُ أَرْضِهَا فَهِيَ كَرْمٌ انْتَهَى، فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ النَّخْلِ الْمُتَّصِلِ يَكُونُ مُسْتَدْرَكًا لِأَنَّ النَّخْلَ الْمُتَّصِلَ هُوَ الْكَرْمُ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ تَدَبَّرْ (وَلِمَا سِوَاهُ) أَيْ لِمَا سِوَى مَا ذَكَرَ مِمَّا لَيْسَ تَوْظِيفُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ (كَزَعْفَرَانٍ وَبُسْتَانٍ) وَهُوَ كُلُّ أَرْضٍ يَحُوطُهَا حَائِطٌ وَفِيهَا نَخِيلٌ وَأَشْجَارٌ مُتَفَرِّقَةٌ بِحَيْثُ يُمْكِنُ زِرَاعَةُ مَا بَيْنَ الْأَشْجَارِ وَإِلَّا فَهِيَ كَرْمٌ كَمَا مَرَّ آنِفًا (مَا تُطِيقُ) أَيْ يُوضَعُ عَلَيْهِ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ اعْتِبَارًا بِمَا وَضَعَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَإِنَّ مَا وَضَعَهُ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ (وَنِصْفُ الْخَارِجِ غَايَةُ الطَّاقَةِ) فَإِنَّ التَّنْصِيفَ عَيْنُ الْإِنْصَافِ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ.
(وَإِنْ لَمْ تُطِقْ) أَيْ الْأَرْضُ (مَا وُظِّفَ نَقَصَ) أَيْ نَقَصَ الْإِمَامُ عَنْهَا مَا لَا تُطِيقُهُ وَجَعَلَ عَلَيْهَا مَا تُطِيقُهُ (وَلَا يُزَادُ) عَلَى مَا وَظَّفَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ.
(وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (أَطَاقَتْ) الْأَرْضُ (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) لِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لِعَامِلَيْهِ لَعَلَّكُمَا حَمَّلْتُمَا الْأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ فَقَالَا لَا بَلْ حَمَّلْنَاهَا مَا تُطِيقُ وَلَوْ زِدْنَا لَأَطَاقَتْ، وَهُوَ دَالٌّ عَلَى جَوَازِ النَّقْصِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِطَاقَةِ وَعَلَى عَدَمِ جَوَازِ الزِّيَادَةِ وَإِنْ أَطَاقَتْ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) يَعْنِي إذَا أَرَادَ الْإِمَامُ تَوْظِيفَ الْخَرَاجِ عَلَى الْأَرْضِ ابْتِدَاءً وَزَادَ عَلَى وَظِيفَةِ عُمَرَ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ لِأَنَّ الْوَظِيفَةَ مُقَدَّرَةٌ بِالطَّاقَةِ وَعِنْدَ الْإِمَامِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْكَافِي فَعَلَى هَذَا بَيْنَ مَا فِي الْمَتْنِ وَمَا فِي الْكَافِي نَوْعُ مُخَالَفَةٍ لِأَنَّ مَا فِي الْمَتْنِ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ يُعَبِّرُ بِعِنْدَ وَمَا فِي الْكَافِي يُشْعِرُ بِأَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ يُعَبِّرُ بِعَنْ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ الْإِمَامِ فِي الْمَتْنِ، تَتَبَّعْ.
قَيَّدَ بِزِيَادَةِ التَّوْظِيفِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْأَرَاضِي الَّتِي صَدَرَ التَّوْظِيفُ مِنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَوْ مِنْ إمَامٍ بِمِثْلِ وَظِيفَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَمْ يَجُزْ إجْمَاعًا (وَلَا خَرَاجَ إنْ انْقَطَعَ عَنْ أَرْضِهِ الْمَاءُ أَوْ غَلَبَ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْأَرْضِ الْمَاءُ لِأَنَّهُ فَاتَ التَّمَكُّنُ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَهُوَ النَّمَاءُ التَّقْدِيرِيُّ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ وَكَوْنُهُ نَامِيًا فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ شَرْطٌ (أَوْ أَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ) سَمَاوِيَّةٌ لَا يُمْكِنُ احْتِرَازُهَا كَغَرَقٍ وَحَرْقٍ وَشِدَّةِ بَرْدٍ وَقَيَّدْنَا بِسَمَاوِيَّةٍ لَا يُمْكِنُ احْتِرَازُهَا لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ سَمَاوِيَّةٍ وَيُمْكِنُ احْتِرَازُهَا كَأَكْلِ قِرَدَةٍ وَسِبَاعٍ وَنَحْوِهِمَا أَوْ هَلَكَ الْخَارِجُ بَعْدَ الْحَصَادِ لَا يَسْقُطُ الْخَارِجُ فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ.
وَفِي التَّبْيِينِ قَالُوا فِي الِاصْطِلَامِ إنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُ إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ السَّنَةِ مِقْدَارُ مَا يُمَكِّنُهُ أَنْ يَزْرَعَ الْأَرْضَ ثَانِيًا أَمَّا إذَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ قَدْرُ ذَلِكَ فَلَا يَسْقُطُ، وَالِاصْطِلَامُ أَنْ يَذْهَبَ كُلُّ الْخَارِجِ أَمَّا إذَا ذَهَبَ بَعْضُهُ فَإِنْ بَقِيَ مِقْدَارُ الْخَرَاجِ وَمِثْلُهُ بِأَنْ بَقِيَ مِقْدَارُ دِرْهَمَيْنِ أَوْ قَفِيزَيْنِ يَجِبُ الْخَرَاجُ وَإِنْ بَقِيَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ يَجِبُ نِصْفُهُ (وَيَجِبُ) خَرَاجٌ (إنْ عَطَّلَهَا) أَيْ أَرْضَ الْخَرَاجِ (مَالِكُهَا) وَكَانَ خَرَاجُهَا مُوَظَّفًا لِوُجُودِ التَّمَكُّنِ وَهُوَ الَّذِي فَوَّتَ الرِّيعَ مَعَ إمْكَانِ تَحْصِيلِهِ هَذَا إذَا تَمَكَّنَ الْمَالِكُ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَلَمْ يَزْرَعْهَا أَمَّا إذَا عَجَزَ مِنْ الزِّرَاعَةِ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ مُزَارَعَةً وَيَأْخُذُ الْخَرَاجَ مِنْ نَصِيبِ الْمَالِكِ وَيُمْسِكُ الْبَاقِي لَهُ وَإِنْ شَاءَ آجَرَهَا وَأَخَذَ الْخَرَاجَ مِنْ أُجْرَتِهَا وَإِنْ شَاءَ زَرَعَهَا بِنَفَقَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَيَأْخُذُ الْخَرَاجَ مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِهَا وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَقْبَلُ ذَلِكَ بَاعَهَا وَأَخَذَ مِنْ ثَمَنِهَا الْخَرَاجَ (وَلَا يَتَغَيَّرُ) خَرَاجُهَا (إنْ أَسْلَمَ) مَالِكُهَا (أَوْ اشْتَرَاهَا مُسْلِمٌ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ اشْتَرَوْا الْأَرْضَ الْخَرَاجِيَّةَ وَأَدَّوْا الْخَرَاجَ (وَلَا عُشْرَ فِي خَارِجِ أَرْضِ الْخَرَاجِ) لِأَنَّهَا مَعَ الْخَرَاجِ وَالْعُشْرِ لَا يَجْتَمِعَانِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَجِبُ الْعُشْرُ كَوُجُوبِ الْخَرَاجِ (وَلَا يَتَكَرَّرُ خَرَاجُ الْوَظِيفَةِ بِتَكَرُّرِ الْخَارِجِ) فِي سَنَةٍ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَمْ يُوَظِّفْهُ مُكَرَّرًا (بِخِلَافِ الْعُشْرِ وَخَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ) لِأَنَّهُمَا يَتَكَرَّرَانِ لِتَعَلُّقِهِمَا بِالْخَارِجِ حَقِيقَةً وَفِي الْبَحْرِ لَوْ وَهَبَ السُّلْطَانُ لِإِنْسَانٍ الْخَرَاجَ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى إنْ كَانَ صَاحِبُ الْأَرْضِ مُصَرِّفًا لَهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَلَوْ تَرَكَ لَهُ عُشْرَ أَرْضِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ بِالْإِجْمَاعِ.

.فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْجِزْيَةِ:

وَهَذَا الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ الْخَرَاجِ وَقُدِّمَ الْأَوَّلُ لِقُوَّتِهِ إذْ يَجِبُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَسْلَمُوا أَوْ لَا بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ وَلِأَنَّهُ حَقِيقَةُ الْخَرَاجِ لِأَنَّهُ الرَّأْسُ وَيُجْمَعُ عَلَى جِزًى كَلِحْيَةٍ وَلِحًى وَسُمِّيَتْ بِهَا لِأَنَّهَا تُجْزِئُ أَيْ تَكْفِي عَنْ الْقَتْلِ إذْ بِقَبُولِهَا يَسْقُطُ عَنْ الذِّمِّيِّ الْقَتْلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} وَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ فَأَشَارَ إلَى الضَّرْبِ الْأَوَّلِ فَقَالَ (الْجِزْيَةُ إذَا وُضِعَتْ بِتَرَاضٍ أَوْ صُلْحٍ لَا تُغَيَّرُ) فَتُقَدَّرُ بِحَسَبِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقُ فَلَا يَتَعَدَّى بِالتَّغَيُّرِ كَمَا لَا يَتَغَيَّرُ مَا يُوضَعُ عَلَى بَنِي نَجْرَانَ مِنْ الْحُلَلِ ثُمَّ أَشَارَ إلَى الضَّرْبِ الثَّانِي فَقَالَ.
(وَإِنْ فُتِحَتْ بَلْدَةٌ عَنْوَةً) أَيْ غَلَبَ الْإِمَامُ عَلَى الْكُفَّارِ وَفَتَحَ قَهْرًا (وَأَقَرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا تُوضَعُ) الْجِزْيَةُ (عَلَى الظَّاهِرِ الْغِنَى فِي السَّنَةِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا) يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ (وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ) فِي الْغِنَى (نِصْفُهَا) أَيْ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ دِرْهَمَانِ (وَعَلَى الْفَقِيرِ الْقَادِرِ عَلَى الْكَسْبِ رُبْعُهَا) أَيْ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ دِرْهَمٌ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَالصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ مُتَوَافِرُونَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَصَارَ إجْمَاعًا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْجِزْيَةُ دِينَارٌ أَوْ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا عَلَى كُلِّ رَأْسٍ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا لَمْ يُذْكَرْ حَدُّ الْغَنِيِّ وَالْمُتَوَسِّطِ وَالْفَقِيرِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ مَنْ مَلَكَ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا غَنِيٌّ وَمَنْ مَلَكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا مُتَوَسِّطٌ وَمَنْ مَلَكَ مَا دُونَ الْمِائَتَيْنِ أَوْ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا فَقِيرٌ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ وَقِيلَ مَنْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْكَسْبِ لِإِصْلَاحِ مَعِيشَتِهِ فَمُعْسِرٌ وَمَنْ لَهُ أَمْوَالٌ وَيَعْمَلُ فَوَسَطٌ وَمَنْ لَا يَعْمَلُ لِكَثْرَةِ أَمْوَالِهِ فَمُوسِرٌ وَقِيلَ مَنْ لَا كِفَايَةَ لَهُ فَمُعْسِرٌ وَمَنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ وَقُوتَ عِيَالِهِ فَوَسَطٌ وَمَنْ يَمْلِكُ الْفَضْلَ فَمُوسِرٌ.
وَفِي الِاخْتِيَارِ الْمُخْتَارُ أَنْ يُنْظَرَ فِي كُلِّ بَلَدٍ إلَى حَالِ أَهْلِهِ وَمَا يَعْتَبِرُونَهُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ عَادَةَ الْبِلَادِ مُخْتَلِفَةٌ فِي ذَلِكَ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ مَوْكُولًا إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ أَمَّا لَوْ كَانَ مَرِيضًا فِي السَّنَةِ كُلِّهَا أَوْ نِصْفِهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ وَلَوْ تَرَكَ الْعَمَلَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ (وَتُوضَعُ) الْجِزْيَةُ (عَلَى كِتَابِيٍّ) أَيْ عَلَى أَهْلِ الْكُتُبِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْعَرَبِ أَوْ الْعَجَمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} وَالْكِتَابِيُّ شَامِلٌ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَيَدْخُلُ فِي الْيَهُودِ السَّامِرَةُ لِأَنَّهُمْ يَدِينُونَ بِشَرِيعَةِ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إلَّا أَنَّهُمْ يُخَالِفُونَهُمْ فِي الْفُرُوعِ وَيَدْخُلُ فِي النَّصَارَى الْإِفْرِنْجُ وَالْأَرْمَنُ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ وَتُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ الصَّابِئِينَ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا (وَمَجُوسِيٍّ) وَهُوَ وَاحِدُ الْمَجُوسِ وَهُمْ قَوْمٌ يُعَظِّمُونَ النَّارَ وَيَعْبُدُونَهَا لِأَنَّ «النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَضَعَ الْجِزْيَةَ عَلَى مَجُوسِ هَجَرَ» (وَوَثَنِيٍّ) أَيْ عَابِدِ وَثَنٍ وَهُوَ مَا كَانَ مَنْقُوشًا فِي حَائِطٍ وَلَا شَخْصَ لَهُ وَالصَّنَمُ اسْمٌ لِمَا كَانَ عَلَى صُورَةِ الْإِنْسَانِ وَالصَّلِيبُ مَا لَا نَقْشَ لَهُ وَلَا صُورَةَ وَلَكِنَّهُ بَعِيدٌ كَمَا فِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا ظَهَرَ مُخَالَفَةُ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْوَثَنَ مَا لَهُ صُورَةٌ كَصُوَرِ الْآدَمِيِّ، تَأَمَّلْ.
(عَجَمِيٍّ) جَمْعُهُ الْعَجَمُ وَهُوَ خِلَافُ الْعَرَبِيِّ وَإِنْ فَصِيحًا وَالْأَعْجَمِيُّ الَّذِي فِي لِسَانِهِ عُجْمَةٌ أَيْ عَدَمُ إفْصَاحٍ بِالْعَرَبِيَّةِ وَإِنْ كَانَ عَرَبِيًّا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى كِتَابِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ فَقَطْ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْكُفَّارِ الْقِتَالُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَاتِلُوهُمْ} لَكِنَّا تَرَكْنَاهُ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ بِمَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا وَالْمَجُوسِيُّ دَخَلَ فِيهِمْ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سَنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُمْ عَلَى الْأَصْلِ وَلَنَا أَنَّ اسْتِرْقَاقَهُمْ جَائِزٌ فَتُوضَعُ الْجِزْيَةُ عَلَيْهِمْ كَالْمَجُوسِ (لَا) تُوضَعُ (عَلَى) وَثَنِيٍّ (عَرَبِيٍّ) لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بُعِثَ مِنْهُمْ فَظَهَرَتْ الْمُعْجِزَةُ لَدَيْهِمْ فَكُفْرُهُمْ أَفْحَشُ وَالْمُرَادُ بِالْعَرَبِيِّ عَرَبِيُّ الْأَصْلِ وَهُمْ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ وَإِنَّهُمْ أُمِّيُّونَ كَمَا وَصَفَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ فَأَهْلُ الْكِتَابِ وَإِنْ سَكَنُوا فِيمَا بَيْنَ الْعَرَبِ وَتَوَالَدُوا مِنْهُمْ لَيْسُوا بِعَرَبِيِّ الْأَصْلِ (وَلَا عَلَى مُرْتَدٍّ) لِأَنَّهُ كَفَرَ بِرَبِّهِ بَعْدَمَا رَأَى مَحَاسِنَ الْإِسْلَامِ وَبَعْدَمَا هُدِيَ إلَيْهِ فَلَا تُوضَعُ أَيْضًا عَلَى زِنْدِيقٍ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ فِي الْبَاطِنِ خِلَافَ الظَّاهِرِ بَلْ إنْ جَاءَ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ وَأَقَرَّ أَنَّهُ زِنْدِيقٌ وَتَابَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَإِنْ بَعْدَ الْأَخْذُ يُقْتَلُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَلِذَا قَالَ الْإِمَامُ اُقْتُلُوا الزِّنْدِيقَ وَإِنْ قَالَ تُبْت وَأَمْوَالُهُ وَذُرِّيَّتُهُ فَيْءٌ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ (فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْوَثَنِيِّ الْعَرَبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ (إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ) زِيَادَةً فِي الْعُقُوبَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَوْ اكْتَفَى بِهِ وَأَظْهَرَ ضَمِيرَهُمَا وَتَرَكَ قَوْلَهُ وَلَا عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا عَلَى مُرْتَدٍّ لَكَانَ أَخْصَرَ (وَتُسْتَرَقُّ أُنْثَاهُمَا) أَيْ أُنْثَى الْوَثَنِيِّ الْعَرَبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ لَا رَجَاءَ لَهُمَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي وَثَنِيِّ الْعَرَبِ (وَطِفْلُهُمَا) لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَسْتَرِقُّ ذَرَارِيِّ مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ اسْتَرَقَّ نِسَاءَ بَنِي حَنِيفَةَ وَصِبْيَانَهُمْ وَكَانُوا مُرْتَدِّينَ إلَّا أَنَّ نِسَاءَ الْمُرْتَدِّينَ وَذَرَارِيَّهُمْ يُجْبَرُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ ذَرَارِيِّ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَنِسَائِهِمْ (وَلَا جِزْيَةَ عَلَى صَبِيٍّ) وَمَجْنُونٍ وَمَعْتُوهٍ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ عَلَى غَيْرِ مُكَلَّفٍ لَكَانَ أَشْمَلَ (وَامْرَأَةٍ) لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ الْقَتْلِ أَيْ عَنْ الْقِتَالِ وَهُمَا لَا يُقْتَلَانِ وَلَا يُقَاتَلَانِ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ وَأَرَادَ بِالْمَرْأَةِ غَيْرَ امْرَأَةِ بَنِي تَغْلِبَ فَإِنَّهَا تُوضَعُ عَلَيْهَا (وَمَمْلُوكٍ) قِنًّا كَانَ أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ أَمَّ وَلَدٍ أَيْ أَمَةٍ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ وَلَا يَنْبَغِي ذِكْرُ أُمِّ الْوَلَدِ فَإِنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَى النِّسَاءِ الْأَحْرَارِ فَكَيْفَ بِأُمِّ الْوَلَدِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ ابْنُ أُمِّ الْوَلَدِ (وَمُكَاتَبٍ) لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ لَمَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ النُّصْرَةُ بِالْقِتَالِ لِكَوْنِهِمْ فِي يَدِ الْغَيْرِ فَلَا يَجِبُ مَا هُوَ خِلَافٌ عَنْهَا وَلَا يُؤَدِّي عَنْهُمْ مَوَالِيهِمْ لِأَنَّهُمْ تَحَمَّلُوا الزِّيَادَةَ بِسَبَبِهِمْ (وَشَيْخٍ كَبِيرٍ وَزَمِنٍ وَأَعْمَى وَمُقْعَدٍ) لِمَا بَيَّنَّاهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ تَجِبُ عَلَى هَؤُلَاءِ إذَا كَانَ لَهُمْ مَالٌ لِأَنَّهُمْ يُقَاتَلُونَ فِي الْجُمْلَةِ إذَا كَانُوا صَاحِبِي رَأْيٍ كَمَا مَرَّ تَفْصِيلُهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ (وَفَقِيرٍ لَا يَكْتَسِبُ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَرَاهِبٍ لَا يُخَالِطُ) وَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْعَمَلِ لِأَنَّهُ لَا يَقْتُلُ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ تُوضَعُ الْجِزْيَةُ إذَا قَدَرَ عَلَى الْعَمَلِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَفِي الِاخْتِيَارِ لَوْ أَدْرَكَ الصَّبِيُّ أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ أَوْ أُعْتِقَ الْعَبْدُ أَوْ بَرِئَ الْمَرِيضُ قَبْلَ وَضْعِ الْإِمَامِ الْجِزْيَةَ وَضَعَ عَلَيْهِمْ وَبَعْدَ وَضْعِهَا لَا حَتَّى تَمْضِيَ هَذِهِ السَّنَةُ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَهْلِيَّتُهُمْ وَقْتَ الْوَضْعِ بِخِلَافِ الْفَقِيرِ إذَا أَيْسَرَ بَعْدَ الْوَضْعِ حَيْثُ تُوضَعُ عَلَيْهِ.
(وَتَجِبُ) الْجِزْيَةُ (فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ) لِأَنَّهَا وَجَبَتْ لِإِسْقَاطِ الْقَتْلِ فَتَجِبُ لِلْحَالِ إلَّا أَنَّهَا تُؤْخَذُ فِي آخِرِهِ قَبْلَ تَمَامِهِ بِحَيْثُ يَبْقَى مِنْهُ يَوْمٌ أَوْ يَوْمَانِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تُؤْخَذُ حِينَ تَدْخُلُ السَّنَةُ وَيَمْضِي شَهْرَانِ مِنْهَا كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ (وَيُؤْخَذُ قِسْطٌ كُلَّ شَهْرٍ فِيهِ) كَمَا بَيَّنَّاهُ لِأَنَّهُ زَمَانُ وُجُوبِهِ.
(وَتَسْقُطُ) الْجِزْيَةُ عِنْدَنَا (بِالْإِسْلَامِ أَوْ الْمَوْتِ) أَوْ بَعْدَ مُضِيِّ السَّنَةِ لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ شُرِعَتْ لِدَفْعِ الشَّرِّ وَقَدْ انْدَفَعَ بِإِسْلَامِهِ أَوْ بِمَوْتِهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ لَا تَسْقُطُ لِأَنَّهَا كَسَائِرِ الدُّيُونِ (وَتَتَدَاخَلُ) أَيْ الْجِزْيَةُ (بِالتَّكَرُّرِ) يَعْنِي إذَا مَرَّتْ عَلَى الذِّمِّيِّ سُنُونَ وَلَمْ تُؤْخَذْ فِيهَا الْجِزْيَةُ سَقَطَتْ عَنْ تِلْكَ الْأَعْوَامِ وَتُؤْخَذُ مِنْهُ جِزْيَةُ السَّنَةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّ عِنْدَهُمَا تُؤْخَذُ عَنْ الْأَعْوَامِ الْمَاضِيَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهَا حَقٌّ وَاجِبٌ فِي الذِّمَّةِ فِي كُلِّ السَّنَةِ فَلَا تَسْقُطُ بِالتَّأْخِيرِ (بِخِلَافِ خَرَاجِ الْأَرْضِ) فَإِنَّهُ لَا تَدْخُلُ فِيهِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ وَقِيلَ عَلَى الْخِلَافِ.
(وَلَا يَجُوزُ إحْدَاثُ بِيعَةٍ أَوْ كَنِيسَةٍ) أَوْ لَا يُحْدِثُ الْكِتَابِيُّ بِيعَةً وَلَا كَنِيسَةً وَلَا يُحْدِثُ الْمَجُوسِيُّ بَيْتَ نَارٍ (أَوْ صَوْمَعَةً فِي دَارِنَا) أَيْ دَارِ الْإِسْلَامِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا خِصَاءَ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا كَنِيسَةَ» وَالْمُرَادُ إحْدَاثُهَا يُقَالُ كَنِيسَةُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لِمَعْبَدِهِمْ وَكَذَلِكَ الْبِيعَةُ إلَّا أَنَّهُ غَلَّبَ الْبِيعَةَ عَلَى مَعْبَدِ النَّصَارَى وَالْكَنِيسَةَ عَلَى مَعْبَدِ الْيَهُودِ وَالصَّوْمَعَةُ كَالْكَنِيسَةِ لِأَنَّهَا تُبْنَى لِلتَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ بِخِلَافِ مَوْضِعِ الصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلسُّكْنَى وَالدَّارُ شَامِلَةٌ لِلْأَمْصَارِ وَالْقُرَى وَالْفِنَاءِ وَهُوَ تَصْحِيحُ الْمُخْتَارِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ لَا يُمْنَعُ عَنْ ذَلِكَ فِي قُرًى لَا تُقَامُ فِيهَا الْجُمُعَةُ وَالْحُدُودُ وَهَذَا فِي قُرًى أَكْثَرُهَا ذِمِّيُّونَ وَأَمَّا فِي قُرَى الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَجُوزُ وَهَذَا فِي أَرْضِ الْعَجَمِ وَأَمَّا فِي الْعَرَبِ فَيُمْنَعُ مُطْلَقًا لَا يُبَاعُ فِيهَا خَمْرٌ وَخِنْزِيرٌ مِصْرًا أَوْ قَرْيَةً كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ (وَتُعَادُ الْمُنْهَدِمَةُ) مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَى الْبِنَاءِ الْأَوَّلِ مِنْ الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ الْقَدِيمَةِ لِأَنَّهُ جَرَى التَّوَارُثُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إلَى يَوْمِنَا هَذَا بِتَرْكِ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا لَا تُهْدَمُ الْقَدِيمَةُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ فِي الْأَمْصَارِ أَوْ فِي السَّوَادِ وَعَمِلَ النَّاسُ عَلَى هَذَا وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ أَنَّهَا تُهْدَمُ أَمْصَارُ الْمُسْلِمِينَ وَفِي الْإِجَارَاتِ لَا تُهْدَمُ فِيهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ وَالْمُرَادُ بِالْقَدِيمَةِ مَا كَانَتْ قَبْلَ فَتْحِ الْإِمَامِ بَلْدَتِهِمْ وَمُصَالَحَتِهِمْ عَلَى إقْرَارِهِمْ عَلَى بَلْدَتِهِمْ وَأَرَاضِيِهِمْ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُصَالِحَهُمْ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ هَذَا فِي الْمُنْهَدِمَةِ أَمَّا إذَا هُدِمَتْ وَلَوْ بِغَيْرِ وَجْهٍ فَلَا تَجُوزُ إعَادَتُهَا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكِنْ فِي زَمَانِنَا لَا يُفَرِّقُ بَعْضٌ مِنَّا بَيْنَ الْهَدْمِ وَالِانْهِدَامِ فَفُعِلَ مَا فُعِلَ حَفِظَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ الزَّلَلِ (مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ) يَعْنِي إذَا انْهَدَمَتْ يَبْنُونَهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِاللَّبِنِ وَالطِّينِ عَلَى قَرَارِ الْأَوَّلِ وَلَا يُشَيِّدُونَهَا بِالْحَجَرِ وَالْآجُرِّ وَلَا يُمَكَّنُونَ نَقْلَهَا لِأَنَّهُ إحْدَاثٌ فِي الْحَقِيقَةِ فَلَوْ وَقَفَ الْإِمَامُ عَلَى إحْدَاثِهَا وَعَلَى مَا زَادَ فِي عِمَارَةِ الْعَتِيقِ خَرَّبَهَا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْرِبُوا النَّاقُوسَ إلَّا فِي كَنَائِسِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ خُفْيَةً بِحَيْثُ لَا يُسْمَعُ صَوْتُهُ خَارِجَهَا وَلَا يَسْكُنُونَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمِصْرِ إلَّا فِي مَحَلَّةٍ خَاصَّةٍ لَيْسَ فِيهَا مُسْلِمُونَ فَلَوْ اشْتَرَى أَهْلُ الذِّمَّةِ فِي مَحَلَّةِ الْمُسْلِمِينَ دَارًا يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهَا.
(وَيُمَيَّزُ الذِّمِّيُّ) عَنْ الْمُسْلِمِينَ وُجُوبًا (فِي زِيِّهِ) بِكَسْرِ الزَّايِ الْمُعْجَمَةِ الْهَيْئَةُ أَيْ يُمَيَّزُ فِي الرِّدَاءِ وَالْعِمَامَةِ وَسَائِرِ اللِّبَاسِ (وَمَرْكَبِهِ وَسَرْجِهِ) أَيْ سَرْجِ مَرْكَبِهِ بِحَذْفِ الْمُضَافِ وَإِلَّا يَلْزَمُ انْتِشَارُ الضَّمِيرِ كَذَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَلَا يَرْكَبُ خَيْلًا) لِأَنَّ رُكُوبَهُ عِزٌّ وَكَذَا لَا يَرْكَبُ جَمَلًا إلَّا لِحَاجَةٍ كَاسْتِعَانَةِ الْإِمَامِ بِهِمْ فِي الذَّبِّ عَنْ الْمُسْلِمِينَ قَيَّدَ بِالْخَيْلِ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَرْكَبَ الْحِمَارَ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ لِأَنَّ رُكُوبَهُ ذُلٌّ وَكَذَا الْبَغْلُ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ رُكُوبَ الْبَغْلِ إذَا كَانَ لِلْعِزِّ لَا يُبَاحُ لَهُ (وَلَا يَعْمَلُ بِسِلَاحٍ) أَيْ لَا يَسْتَعْمِلُهُ وَلَا يَحْمِلُهُ فَإِنَّ فِيهِ عِزًّا (وَيُظْهِرُ) الذِّمِّيُّ بِالشَّدِّ فَوْقَ ثِيَابِهِ (الْكُسْتِيجَ) بِضَمِّ الْكَافِ وَهُوَ مَا يُشَدُّ عَلَى وَسَطِهِ مِنْ عَلَامَةٍ بِهَا يَمْتَازُ عَنْ الْمُسْلِمِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ الصُّوفِ أَوْ الشَّعْرِ وَأَنْ لَا يُجْعَلَ حَلْقَةً يَشُدُّهُ كَمَا يَشُدُّ الْمُسْلِمُ الْمِنْطَقَةَ بَلْ يُعَلِّقُهُ عَلَى الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَعَنْ أَبُو يُوسُفَ هُوَ خَيْطٌ غَلِيظٌ مِنْ صُوفٍ بِقَدْرِ الْأُصْبُعِ يَشُدُّهُ الذِّمِّيُّ فَوْقَ ثِيَابِهِ دُونَ مَا يَتَزَيَّنُونَ بِهِ مِنْ زَنَانِيرِ الْإِبْرَيْسَمِ (وَيَرْكَبُ سَرْجًا كَالْإِكَافِ) فِي الْهَيْئَةِ يَعْنِي إنْ احْتَاجَ إلَى رُكُوبِ حِمَارٍ وَلِذَا قَالَ (وَالْأَحَقُّ أَنْ لَا يُتْرَكَ) لِلذِّمِّيِّ (أَنْ يَرْكَبَ إلَّا لِضَرُورَةٍ) وَفِي الْبَحْرِ وَاخْتَارَ الْمُتَأَخِّرُونَ أَنْ لَا يَرْكَبُوا أَصْلًا إلَّا إذَا خَرَجُوا إلَى قَرْيَةٍ وَنَحْوِهَا أَوْ كَانَ مَرِيضًا وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَرْكَبُ إلَّا لِضَرُورَةٍ (وَحِينَئِذٍ) رَكِبَ لِلضَّرُورَةِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ (يَنْزِلُ فِي الْمَجَامِعِ) أَيْ فِي مَجَامِعِ الْمُسْلِمِينَ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ فِي رُكُوبِهِ هُنَا (وَلَا يَلْبَسُ مَا يَخُصُّ أَهْلَ الْعِلْمِ وَالزُّهْدِ وَالشَّرَفِ) تَعْظِيمًا لِهَؤُلَاءِ.
وَفِي الْفَتْحِ يَمْنَعُهُمْ الْإِمَامُ مِنْ الثِّيَابِ الْفَاخِرَةِ حَرِيرًا أَوْ غَيْرَهُ كَالصُّوفِ الْمُرْتَفِعِ وَالْجُوخِ الرَّفِيعِ وَالْأَبْرَادِ الرَّقِيقَةِ وَصَرَّحَ بِمَنْعِهِمْ مِنْ الْقَلَانِسِ الصِّغَارِ وَإِنَّمَا تَكُونُ طَوِيلَةً مِنْ كِرْبَاسٍ مَصْبُوغَةٍ بِالسَّوَادِ مُضَرَّبَةٍ مُبَطَّنَةٍ وَيَجِبُ تَمْيِيزُهُمْ فِي النِّعَالِ أَيْضًا فَيَلْبَسُونَ الْمَكَاعِبَ الْخَشِنَةَ الْفَاسِدَةَ اللَّوْنِ تَحْقِيرًا لَهُمْ وَشَرَطَ فِي الْقَمِيصِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ ذَيْلُهُ قَصِيرًا وَأَنْ يَكُونَ جَيْبُهُ عَلَى صُدُورِهِ كَمَا يَكُونُ لِلنِّسَاءِ وَمِنْ الْقُعُودِ حَالَ قِيَامِ الْمُسْلِمِ عِنْدَهُمْ هَكَذَا أُمِرُوا كَمَا فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى هَذَا ثُمَّ حُكَّامُ بِلَادِنَا بِعَدَمِ مَنْعِهِمْ يَلْبَسُونَ الثِّيَابَ الْفَاخِرَةَ وَيَرْكَبُونَ خَيْلًا أَيَّ خَيْلٍ وَيُجْلِسُونَ مُعَظَّمًا عِنْدَهُمْ بَلْ يَقِفُ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ خِدْمَةً لَهُمْ فَالْوَيْلُ كُلَّ الْوَيْلِ.
(وَتُمَيَّزُ أُنْثَاهُ) أَيْ أُنْثَى الذِّمِّيِّ (فِي الطَّرِيقِ وَالْحَمَّامِ) بِالْجَلَاجِلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ فَتَمْشِينَ فِي نَاحِيَةِ الطَّرِيقِ وَالْمُسْلِمَاتُ فِي وَسَطِهِ وَيَجْعَلْنَ إزَارَهُنَّ مُخَالَفَةً لِإِزَارِ الْمُسْلِمَاتِ.
(وَتُجْعَلُ عَلَى دَارِهِ) أَيْ الذِّمِّيِّ (عَلَامَةٌ كَيْ لَا يُسْتَغْفَرَ) أَيْ لِئَلَّا يَدْعُوَ السَّائِلُ بِالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ (لَهُ) أَيْ لِلذِّمِّيِّ عِنْدَ الْإِعْطَاءِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ ظَاهِرًا (وَلَا يُبْدَأُ بِسَلَامٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِكْرَامِ وَأَمَّا رَدُّهُ فَأَدَاءُ الْوَاجِبِ وَمُكَافَأَةُ إكْرَامِهِ فِي الْجُمْلَةِ لَكِنْ لَا يَزِيدُ عَلَى قَوْلِهِ وَعَلَيْكُمْ وَلَا يَقُولُ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ (وَيُضَيِّقُ عَلَيْهِ الطَّرِيقَ) يَعْنِي إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ فِي الطَّرِيقِ يَجْعَلُهُ فِي الطَّرَفِ الضَّيِّقِ (وَيُؤَدِّي الْجِزْيَةَ قَائِمًا وَالْآخِذُ) مِنْهُ (قَاعِدًا وَيُؤْخَذُ) مِنْهُ (بِتَلْبِيبِهِ) وَجَرِّهِ وَإِظْهَارِ مَذَلَّتِهِ (وَيُهَزُّ) أَيْ يُحَرَّكُ بِعُنْفٍ (وَيُقَالُ لَهُ أَدِّ الْجِزْيَةَ يَا ذِمِّيُّ أَوْ يَا عَدُوَّ اللَّهِ) إذْ لَا إلَهَ لَهُ وَإِشْعَارًا بِأَنَّهَا بَدَلُ دَمِهِ الْمُسْتَحَقِّ وَلَا يُقَالُ لَهُ يَا كَافِرُ (وَلَا يُنْقَضُ عَهْدُهُ) أَيْ لَا يَخْرُجُ عَنْ حُكْمِ الذِّمَّةِ (بِالْإِبَاءِ عَنْ الْجِزْيَةِ) لِأَنَّ مَا يَدْفَعُ عَنْهُ قِتَالَنَا الْتِزَامُ الْجِزْيَةِ وَقَبُولُهَا لَا أَدَاؤُهَا وَهُوَ بَاقٍ فَلَا يُنْقَضُ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يُنْقَضُ فَيَجِبُ أَنْ يُقْتَلَ أَوْ يُسْتَرَقَّ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَفِي الدُّرَرِ وَفِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ مَعْنَى الِامْتِنَاعِ عَنْ الْجِزْيَةِ التَّصْرِيحُ بِعَدَمِ أَدَائِهَا كَأَنَّهُ يَقُولُ لَا أُعْطِي الْجِزْيَةَ بَعْدَ هَذَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُنَافِي بَقَاءَ الِالْتِزَامِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالِالْتِزَامِ وَالصَّوَابُ بِالِامْتِنَاعِ تَأْخِيرُهَا وَالتَّعَلُّلُ فِي أَدَائِهَا وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ انْتَهَى لَكِنْ يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ بِالْتِزَامِهِ يَكُونُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ كَالْكَفَالَةِ بِالْمَالِ فَقَوْلُهُ بَعْدَهُ لَا أُعْطِي الْجِزْيَةَ لَا فَائِدَةَ لَهُ فَيَلْزَمُ أَنْ يُحْبَسَ كَسَائِرِ الدُّيُونِ، تَدَبَّرْ (أَوْ بِزِنَاهُ بِمُسْلِمَةٍ وَقَتْلِهِ مُسْلِمًا) فَيُقَامُ الْحَدُّ فِي الزِّنَاءِ وَيُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ مِنْهُ فِي الْقَتْلِ (أَوْ سَبِّهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِأَنَّ السَّبَّ كُفْرٌ فَكُفْرُهُ الْمُقَارِنُ لَهُ لَا يَمْنَعُهُ فَالطَّارِئُ لَا يَرْفَعُهُ، هَذَا إذَا لَمْ يُعْلِنْ أَمَّا إذَا أَعْلَنَ بِشَتْمِهِ أَوْ اعْتَادَ فَالْحَقُّ أَنَّهُ يُقْتَلُ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي كَانَتْ تُعْلِنُ بِشَتْمِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قُتِلَتْ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَبِهِ يُفْتَى الْيَوْمَ.
وَفِي الْمُؤَيَّدِ زَادَهُ نَقْلًا عَنْ الشِّفَاءِ مَنْ شَتَمَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ الذِّمِّيِّ فَأَرَى لِلْإِمَامِ أَنْ يُحَرِّقَهُ بِالنَّارِ فَلَهُ ذَلِكَ وَلَا يُسْقِطُ إسْلَامُهُ قَتْلَهُ.
وَفِي النَّوَادِرِ يُسْقِطُ هَذَا إذَا سَبَّهُ كَافِرٌ وَأَمَّا إذَا سَبَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَوْ وَاحِدًا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ مُسْلِمٌ وَلَوْ سَكْرَانَ وَأَنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا وَلَا تَوْبَةَ لَهُ أَصْلًا تُنْجِيهِ مِنْ الْقَتْلِ سَوَاءٌ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَالشَّهَادَةِ أَوْ جَاءَ تَائِبًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ كَالزِّنْدِيقِ لِأَنَّهُ حَدٌّ وَجَبَ فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ وَلَا يُتَصَوَّرُ خِلَافُهُ لِأَنَّهُ حَدٌّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مَنْ شَكَّ فِي عَذَابِهِ وَكُفْرِهِ فَقَطْ كَفَرَ بِخِلَافِ مَا إذَا سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى ثُمَّ تَابَ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى.
وَفِي الْخُلَاصَةِ وَسَابُّ الشَّيْخَيْنِ كَافِرٌ وَمُبْتَدِعٌ إنْ فَضَّلَ عَلِيًّا عَلَيْهِمَا انْتَهَى.
وَفِي الرِّسَالَةِ الْمُسَمَّاةِ بِالْمَعْرُوضَاتِ لِلْمَوْلَى أَبِي السُّعُودِ تَفْصِيلٌ فِي حَقِّ السَّبِّ فَلْيُطَالَعْ لِأَنَّنَا أُمِرْنَا الْآنَ بِعَمَلِهَا (بَلْ) يُنْقَضُ عَهْدُهُ (بِاللِّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ الْغَلَبَةِ عَلَى مَوْضِعٍ لِمُحَارَبَتِنَا) لِأَنَّهُمْ صَارُوا بِذَلِكَ حَرْبِيًّا عَلَيْنَا فَلَا يُفِيدُ بَقَاءُ الْعَهْدِ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ عَقْدِ الذِّمَّةِ دَفْعُ الْفَسَادِ بِتَرْكِ الْقِتَالِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ إلَّا بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ.
وَفِي الْفَتْحِ أَنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ جَعَلَ نَفْسَهُ طَلِيعَةً لِلْمُشْرِكِينَ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ لِأَنَّهُ مُحَارِبٌ فَحِينَئِذٍ هِيَ ثَلَاثٌ، تَأَمَّلْ.
(وَيَصِيرُ) الْمَوْصُوفُ بِمَا ذُكِرَ (كَالْمُرْتَدِّ) فِي قَتْلِهِ وَدَفْعِ مَالِهِ لِوَرَثَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ اُلْتُحِقَ بِالْأَمْوَاتِ لِتَبَايُنِ الدَّارِ (لَكِنْ لَوْ أُسِرَ) ذَلِكَ الذِّمِّيُّ (يُسْتَرَقُّ) وَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ الدِّينِ.
(وَالْمُرْتَدُّ يُقْتَلُ) إنْ أَبَى عَنْ الْإِسْلَامِ وَلَا يُسْتَرَقُّ كَمَا سَيَأْتِي.
وَفِي الْبَحْرِ وَأَفَادَ بِالتَّشْبِيهِ أَنَّ الْمَالَ الَّذِي يُلْحَقُ بِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَيْءٌ كَالْمُرْتَدِّ لَيْسَ لِوَرَثَتِهِمَا أَخْذُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا رَجَعَ إلَى دَارِنَا بَعْدَ اللِّحَاقِ وَأَخَذَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ لِأَنَّهُ مَالُهُمْ بِاللِّحَاقِ الْأَوَّلِ وَتَمَامُهُ فِيهِ.
(وَيُؤْخَذُ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ رِجَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ ضِعْفُ الزَّكَاةِ) أَيْ ضِعْفُ زَكَاتِنَا مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَتُصْرَفُ مَصَارِفَ الْجِزْيَةِ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ صَالَحَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ كَمَا بُيِّنَ فِي الزَّكَاةِ فَلَزِمَ ذَلِكَ عَلَى نِسَائِهِمْ أَيْضًا لِأَنَّ النِّسَاءَ أَهْلٌ لِوُجُوبِ زَكَاةِ الْمَالِ عَلَيْهِمْ بِالصُّلْحِ.
وَقَالَ زُفَرُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ (لَا مِنْ صِبْيَانِهِمْ) لِعَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِمْ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لَا مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ مِنْهُمْ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ حُكْمَ الْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ مِنْهُمْ كَحُكْمِ الصَّبِيِّ (وَيُؤْخَذُ مِنْ مَوَالِيهِمْ) أَيْ عُتَقَائِهِمْ (الْجِزْيَةُ وَالْخَرَاجُ كَمَوَالِي قُرَيْشٍ) أَيْ مُعْتَقُ التَّغْلِبِيِّ وَمُعْتَقُ الْقُرَيْشِيِّ وَاحِدٌ فَتُوضَعُ الْجِزْيَةُ أَوْ خَرَاجُ الْأَرْضِ عَلَى مُعْتَقِهِمَا.
وَقَالَ زُفَرُ يُضَاعَفُ عَلَى مَوَالِي التَّغْلِبِيِّ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ وَلَنَا أَنَّ الصَّدَقَةَ الْمُضَاعَفَةَ تَخْفِيفٌ وَالْمُعْتَقُ لَا يَلْحَقُ بِالْأَصْلِ فِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِسْلَامَ أَعْلَى أَسْبَابَ التَّخْفِيفِ وَلَا يَتْبَعُهُ فِيهِ (وَيُصْرَفُ الْخَرَاجُ وَالْجِزْيَةُ وَمَا أُخِذَ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ أَوْ) مَا أَخَذُوا فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَمَا بَعْدَهُ بِمَعْنَى الْوَاوِ وَإِلَّا لَيْسَ بِمُنَاسِبٍ (مِنْ أَرْضٍ أَجْلَى أَهْلَهَا عَنْهَا أَوْ أَهْدَاهُ أَهْلُ الْحَرْبِ) إلَى الْإِمَامِ.
(وَ) مَا (أُخِذَ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ (بِلَا قِتَالٍ) بِأَنْ أُخِذَ بِالصُّلْحِ (فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ) مُتَعَلِّقٌ بِيُصْرَفُ (كَسَدِّ الثُّغُورِ) جَمْعُ ثَغْرٍ وَهُوَ مَوْضِعُ مَخَافَةِ الْبُلْدَانِ (وَبِنَاءِ الْقَنَاطِرِ) جَمْعُ قَنْطَرَةٍ (وَالْجُسُورِ) جَمْعُ جَسْرٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأَوَّلَ لَا يُرْفَعُ وَالثَّانِي يُرْفَعُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُصْرَفُ فِي بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَالْبُقْعَة عَلَيْهَا لِأَنَّهُ مِنْ الْمَصَالِحِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الصَّرْفُ عَلَى إقَامَةِ شَعَائِرِهَا مِنْ وَظَائِفِ الْإِمَامَةِ وَالْأَذَانِ وَنَحْوِهِمَا (وَكِفَايَةِ الْعُلَمَاءِ وَالْمُدَرِّسِينَ وَالْمُفْتِينَ وَالْقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ) أَيْ الْعُمَّالِ عَلَى الزَّكَاةِ وَالْعُشْرِ (وَالْمُقَاتِلَةِ وَذَرَارِيِّهِمْ) وَالضَّمِيرُ يَعُودُ إلَى الْكُلِّ لِأَنَّ نَفَقَتَهُمْ عَلَى الْآبَاءِ فَلَوْ لَمْ يُعْطَوْا كِفَايَتَهُمْ لَاحْتَاجُوا إلَى الِاكْتِسَابِ وَتَعَطَّلَتْ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ، وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُخَمَّسُ وَلَا يُقْسَمُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ.
وَفِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مَا يُوهِمُ التَّخْصِيصَ حَيْثُ قَالَ وَذَرَارِيِّهِمْ أَيْ ذَرَارِيِّ الْمُقَاتِلَةِ، انْتَهَى.
لَكِنْ فِي الْبَحْرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ انْتَهَى هَذَا هُوَ الْحَقُّ لِأَنَّ الْعِلَّةَ تَشْمَلُ الْكُلَّ، تَدَبَّرْ.
وَاعْلَمْ أَنَّ أَمْوَالَ بَيْتِ الْمَالِ أَرْبَعَةٌ أَحَدُهَا مَا ذُكِرَ وَالثَّانِي الزَّكَاةُ وَالْعُشْرُ مَصْرِفُهُمَا مَا بُيِّنَ فِي بَابِ الْمَصْرِفِ وَالثَّالِثُ خُمْسُ الْغَنَائِمِ وَالْمَعَادِنِ وَالرِّكَازِ وَمَصْرِفُهُ مَا ذُكِرَ فِي أَوَائِلِ هَذَا الْكِتَابِ وَالرَّابِعُ اللُّقَطَاتُ وَالتَّرِكَاتُ الَّتِي لَا وَارِثَ لَهَا وَدِيَةُ مَقْتُولٍ لَا وَلِيَّ لَهُ وَمَصْرِفُهُ اللَّقِيطُ الْفَقِيرُ وَالْفُقَرَاءُ الَّذِينَ لَا أَوْلِيَاءَ لَهُمْ يُعْطَوْنَ مِنْهُ نَفَقَاتِهِمْ وَأَدْوِيَتِهِمْ وَيُكَفَّنُ بِهِ مَوْتَاهُمْ وَتُعْقَلُ جِنَايَتُهُمْ وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ لِكُلِّ نَوْعٍ بَيْتًا يَخُصُّهُ وَلَا يَخْلِطُ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي بَعْضِهَا شَيْءٌ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَقْرِضَ عَلَيْهِ مِنْ النَّوْعِ الْآخَرِ وَيَصْرِفَهُ إلَى أَهْلِ ذَلِكَ ثُمَّ إذَا حَصَلَ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ شَيْءٌ رَدَّهُ إلَى الْمُسْتَقْرِضِ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَصْرِفُ مِنْ الصَّدَقَاتِ أَوْ مِنْ خُمْسِ الْغَنَائِمِ عَلَى أَهْلِ الْخَرَاجِ وَهُمْ فُقَرَاءُ فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّ فِيهِ شَيْئًا وَكَذَا فِي غَيْرِهِ إذَا صَرَفَهُ إلَى الْمُسْتَحِقِّ وَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَتَّقِ اللَّهَ وَيَصْرِفَ إلَى كُلِّ مُسْتَحِقٍّ قَدْرَ حَاجَتِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ (وَمَنْ مَاتَ) مِنْهُمْ (فِي نِصْفِ السَّنَةِ حُرِمَ مِنْ الْعَطَاءِ) لِأَنَّهُ صِلَةٌ فَلَا يُمْلَكُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَيَّدَ نِصْفَ السَّنَةِ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ فِي آخِرِ السَّنَةِ يُسْتَحَبُّ صَرْفُ ذَلِكَ إلَى قَرِيبِهِ وَلَوْ عَجَّلَ لَهُ كِفَايَةَ سَنَةٍ ثُمَّ عُزِلَ قَبْلَ تَمَامِهَا قِيلَ يَجِبُ وَقِيلَ لَا يَجِبُ وَالْأَمْرُ مُفَوَّضٌ إلَى الْإِمَامِ وَفِي تَنْوِيرِ الْمُؤَذِّنِ وَالْإِمَامِ إذَا كَانَ لَهُمَا وَقْفٌ فَلَمْ يَسْتَوْفِيَا حَتَّى مَاتَا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي وَقِيلَ لَا يَسْقُطُ ذَلِكَ بِالْمَوْتِ وَالْأَوَّلُ رَاجِحٌ لِحِكَايَتِهِ الثَّانِي بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ.